الرباط ـ حسن الأشرف
تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة استقدام العائلات الغنية والموسرة بالمغرب لخادمات أجنبيات - خاصة الآسيويات والإفريقيات - حيث يتيح جلب هؤلاء الخادمات تحديداً للأسر المُشغلة عدة مزايا، منها التفاخر والتميز الطبقي والاقتصادي، واستغلال "الفراغ" التشريعي، الذي يعتري القانون المُنظم لاستقدام العمالة الأجنبية إلى المغرب.
وتشهد حالياً سوق الخادمات الآسيويات، خاصة منهن الفلبينيات والسريلانكيات، اتساعا ملحوظا وسط الأسر الثرية في المدن الكبرى بالبلاد، لاسيما الرباط والدار البيضاء ومراكش، في خضم انتشار وسطاء ووكالات تشغيل تنشط في مجال تشغيل "عاملات البيوت"، وهي التسمية الجديدة التي جاء بها مشروع قانون الخادمات، الذي صادق عليه المجلس الحكومي قبل بضعة أشهر.
عقود شفوية وموضة اقتصاديةوتشتغل الخادمات الآسيويات، أو حتى الوافدات من بلدان جنوب أو وسط إفريقيا، لدى العديد من الأسر الغنية في المغرب وفق عقود عمل في الغالب تكون مريحة مادياً للخادمات أنفسهن، فالخادمة الأجنبية تحصل على أجر يضاعف عدة مرات ما تتقاضاه الخادمة المحلية، فضلا عن امتيازات أخرى تجعلها تفضل العمل في المغرب على الاشتغال خادمة في بلدان عربية مماثلة.
وقال مدير وكالة خاصة للتشغيل بالرباط مراد بوكيلي لـ"العربية نت"، إن عدداً من العائلات ذات الدخل المرتفع تتصل به لطلب فئات من الخادمات القادمات، إما من آسيا خصوصا أو من إفريقيا السوداء، اللواتي يحصلن على حقوق يكفلها قانون التشغيل بالمغرب، بالرغم من عدم تنزيل بنود مشروع قانون عاملات وعاملي البيوت على أرض الواقع بعد.
رواتب مرتفعةوأوضح بوكيلي أن الخادمة الآسيوية مثلا يمكن أن تحصل - بحسب العقد المُبرم مع مُشَغّليها - على راتب شهري يتراوح بين 4 آلاف درهم و6 آلاف درهم، "480 إلى 720 دولاراً"، وهو راتب يتقاضاه في العادة الموظف في السلالم المتوسطة في القطاع العام بالبلاد، ويزيد من قيمته حين يتم تحويله إلى العملة المحلية للبلاد الأصلية التي جاءت منها الخادمة الأجنبية، خاصة إن كانت من إفريقيا مثل السنغال أو مالي وغيرهما، وبالتالي فإن هذه الخادمة تفضل التواجد لدى أسرة مغربية تعطيها هذا الأجر على أن تشتغل في بلد عربي آخر، حيث الرواتب متدنية في أغلب الأحوال.
وتابع بوكيلي أن الخادمة الآسيوية غالبا ما تحصل على عطلة أسبوعية وسنوية أيضا، مثل باقي العاملين في القطاع الخاص، فهي في الأصل ـ بحكم مجيئها من بلاد بعيدة ـ لا تقبل بأقل من هذه الشروط، مضيفا أن العائلات الغنية توافق على هذه الحقوق، وتقوم بالمصادقة عليها عبر عقد مكتوب، لكن في غالبية الحالات يكون العقد شفويا بين الخادمة الأجنبية والعائلة المُشغلة لها، مما يطرح أحيانا تعقيدات وتداعيات اجتماعية وقانونية حين تتوتر العلاقات بين الطرفين.
وقالت مالكة مصنع للأثواب السيدة الزبدي إن خادمتها الفلبينية تحظى لديها بكافة الحقوق الممكنة والمُتاحة مادياً ومعنوياً، حتى تشتغل لديها بجهد وصدق بخلاف العديد من الخادمات المحليات اللواتي يخلقن المشاكل لربات البيوت، مردفة أنها سجلت هذه العاملة في بيتها كإحدى الأجيرات في المصنع الذي تسيره، حتى تستفيد من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
صورة مثاليةومن المعلوم أن مشروع قانون عاملات وعاملي البيوت في المغرب يتحدث عن العمالة الأجنبية، ويشترط أن يتم تسجيل الخادمة في الشركة الخاصة بالأسرة المُشغلة وفق معايير معينة، ثم يفرض التصريح به علنيا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مثلها مثل باقي العمال في القطاع الخاص، بهدف توفير الحماية الاجتماعية القُصوى لهذه الفئة من العاملات اللائي يعملن في بعض البيوت.
وليست الصورة دائما بهذه "المثالية" عند تشغيل الخادمات الأجنبيات في المغرب، فكثير من قصص الإساءة والتعذيب تسربت إلى الصحف ووسائل الإعلام المحلية، كانت ضحاياها خادمات آسيويات وإفريقيات جئن يبحثن عن لقمة عيش هادئة بعيدا عن أوطانهن لمساعدة أسرهن هناك، فيتعرضن للعنف والأذى والحرمان من الحقوق المتفق عليها في العقود المُبرمة ـ غالبا بشكل شفوي ـ من لدن بعض الأسر المُشغلة لهن.
وفي غياب أية إحصائيات رسمية تدل على عدد الخادمات الأجنبيات في البيوت الثرية بالمغرب، يرى الكثيرون أن ظاهرة استقدام خادمات آسيويات تحديداً لا تعدو أن تكون "موضة"، تتفاخر بها بعض الأسر المغربية ذات المستوى الاقتصادي المرتفع الذي يتيح لها تحمل الكلفة المالية لمثل هؤلاء الخادمات.
المفضلات