هناك عدة انواع من القراء، منها القراء الواعين (المثقفين)، ومنها الذين يظنون أنفسهم مثقفين.
القراء الواعين، الذين يتميزون، ومنذ صغرهم، عند قراءاتهم للروايات العالمية المختلفة، بأنهم يتذوقون الأدب، مخترقين المكان والزمان. تدغدغ مشاعرهم أفعال الكلمات بتناقضاتها الصارخة. إلا ان هذا النوع يمتلك في وعيه الهوية والمرجعية، المتعلقة بكينونته ضمن مجموعته البشرية التاريخية. لذلك تثري تلك القراءات أفقه، وتزيده وعيا، يفيد به محيطه، ويعزز به هويته، إذ يكتشف نقاط الجمال في كل هوية على حدى.
القراء الذين يظنون أنفسهم مثقفين، هم أفراد بلا هوية، يسمعون أن هناك رواية أو قصة عالمية، يقرؤونها، يعجبون بأبطالها. يرونهم رمزا، أو مثلا اعلى. إعجابهم بتلك البطولة، تجعلهم يتقمصون تلك الثقافة دون وجود مرجعية. فتجدهم قد أضحوا غرباء عن مجتمعاتهم. عندما يتكلمون، يحادثون مجتعمهم، ويشعرون بالفجوة، فإنهم لا يعزون ذلك لشذوذ بعض افكارهم عن المرجعيات الأصيلة لمجتمعهم بل يعزونه لجهل هؤلاء الناس، وعدم ثقافتهم. فيعتقدون انهم اكثر فهما ووعيا من غيرهم، وهم أصلا غير قادرين على التواصل مع محيطهم.
البطل الملازم اول عبد الرزاق طلاس اطلق لحيته. لقد عاب عليه احد عتاولة الثقافة الليبرالية لحيته، ومما اورده هو وغيره من محازبيه، ما يأتي:
- لماذا ربى لحيته؟، لقد أعطى بذلك وجها إسلاميا للثورة.
- لماذا حف شاربيه؟، كان يمكنه أن يطلق اللحية، ويترك الشارب فيصبح مثل جيفارا، فذلك افضل وهو قيمة عليا.
- الجيش مؤسسة عريقة لها تقاليدها، ولا يجوز ان يتجازوها.
أولا: لماذا ربى لحيته؟، فتلك حرية شخصية، أو ليس من مبادئ العلمانية الحرية الشخصية. أم تريدوننا أن ننتقل من ديكتاوتورية بشار إلى ديكتاتورية ماركس؟. هل اعطى وجها إسلاميا؟ الشعب السوري مرجعيته التاريخية ووعاؤه الحضاري هو الخلافة النبوية، والخلفاء الراشدين، ودولة الأمويين، والعباسيين، وصولا إلى الدولة العثمانية. مرجعية ثبت تاريخيا، أنها كانت دوما قطبا عالميا، ولم تكن مسلوبة الإرادة، تتلاعب بها أقطاب متعددة. مرجعية لم تلغ الآخر، وخير دليل أن أكبر تجار الذهب في الشام والعراق ومصر قبل احتلال فلسطين، كانوا من اليهود.
ثانيا:لماذا لم يترك شاربيه كي يصبح مثل جيفارا؟. كل فرد يحترم الإنسانية، فإنه بالضرورة، يحترم جيفارا، لأنه شخص ترك موطنه في أمريكا، ودار أصقاع الدنيا مدافعا عن مبادئه. اكرر عن مبادئه. التي يظنها تدافع عن الإنسان وترفع عنه الحيف والظلم. ولكن كم ألف جيفارا في حاضرنا وماضينا؟. كم ألف جيفارا في ثورتنا. فهل نترك كل الغنى المتراكم حولنا بطولات وتضحية، ونذهب إلى جيفارا.!!!. ام أنهم لم يقرؤوا تاريخنا, أم انهم لا يتابعون ثوراتنا وحاضرنا. كم فرد باع كل ما يملك كي يساعد أيتاما في بلد آخر، أو كي يحمي ثائرا ضد الطغيان.
ثالثا: الجيش مؤسسة عريقة لها تقاليده. من وضع تلك التقاليد التي نقدسها؟. لقد وضعها المستعمر الذي أرسى إسفين تمزقنا. فهل نعبد صنم تقاليد وضعها مستعمر. وهل نحن عبيدا كي لا نرسي تقاليدا تميزنا؟. ومن هي مرجعية الجيش؟ فرنسا، أم تاريخ الأمة؟!!!.
أخيرا، الامة ليست رعاعا دهماء. الأمة عقول وخبرات، وقد جاء زمن الثورات، والانعتاق من العبودية. الشعوب تتجه نحو مسار تتبادل فيه الخبرات مع كل الآخر وترفض الذوبان. فالأمة ليست فقيرة بأي حال. مرجعيتنا كل الحضارة والديمقراطية، منذ كان النبي الكريم يأخذ برأي الشباب ويترك رأيه، مرورا بالمرأة التي اخبرت سيدنا عمر، "لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بالسيف"، وصولا إلى فضاء الأندلس بكل رحابه.
عبد الغني محمد المصري
26-04-2012
---------------------
عن شبكة ارفلون لدعم الثورة
المفضلات