بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إن مما يقشعر له البدن أن هناك منظمات وعصابات مهمتها هي محاولة استثارة عواطف الناس وتبتكر لأجل ذلك أفضل وأقوى الأساليب التي يمكن بها استخراج ما عند الناس ولو استلزم الأمر إلى قطع يد طفل بريء ليخرج أمام الناس بمنظر يثير الشفقة والرحمة ، أو استقدام ذوي الاحتياجات الخاصة لاستجداء القلوب واستخراج ما في الجيوب !!
ولعل مثل هذه الظاهرة جعلت عند بعض الناس نوعا من التردد هل يتصدق أم لا ؟
وهل إذا نهرهم ومنعهم يدخل تحت قوله تعالى ( وأما السائل فلا تنهر ) ؟
وقد يكون البعض منهم محتاجاً فعلاً ، والبعض الآخر ليس كذلك ، ولكن هذا الأمر لا يمكن التثبت منه ومعرفته إلا بصعوبة أو عن طريق الجهات المسؤولة ، وما هو دور المسلم تجاهها ؟؟
وللجواب عن هذه التساؤلات :
ينبغي أن يُعلم أن الإسلام الحنيف قد حذّر من سؤال الناس ، وحثَّ على التكسّب الحلال والتعفّف عمّا في أيدي الناس فعن الزبير بن العوّام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " .
رواه البخاري
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال : أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا النظر وخفضه فرآنا جلدين فقال :
" إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .
رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر" .
رواه مسلم.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بدّ منه "
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما برزق عاجل، أو آجل "
رواه أبو داود والترمذي وقال:حسن صحيح.
وعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ثلاث أقسم عليهن ـ وذكر منها ـ ولا فتح عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقر " .
احمد والترمذي وصححه الألباني
قال العلامة العثيمين رحمه الله في اللقاء المفتوح 40/14 :
أما موضوع التسول، فالواقع أن الناس يفسد بعضهم على بعض، فمن المتسولين من يتسول -والعياذ بالله- وهو في غنى، وهذا يصدق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم "
فإذا علمت أنه غني وجب عليك أن تطرده، وأن تبين للناس غناه حتى لا يغتروا به، وإذا غلب على ظنك أنه غني فلا تعطه، وانصحه، وإذا شككت في الأمر فكِلْ أمره إلى الله، ولا يلزمك أن تقابله بشيء.
ولكن يبقى النظر أن من المتسولين من يقوم أمام الجماعة، ويتكلم بصوت مرتفع، ويشوش على الناس أذكارهم بعد الصلاة، وقد يستمر في الكلام حتى يشوش بكلامه على من أراد أن يتنفل، فمثل هذا يُمنع ويقال له :
اخرج إلى باب المسجد من الخارج.
وقال أيضا رحمه الله :
وكذلك سائلُ المالِ إذا علمت أنّ الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره، ولك الحق أيضاً أن توبخه على سؤاله وهو غني. ... وهذا العموم في قوله تعالى: ( السائل فلا تنهر ) مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس (اللقاء78/11).
وقال أيضا في اللقاء 233/10: حسب علمي أن الدولة مانعة من هذا منعاً باتاً؛ لأن هؤلاء قد يكون بعضهم كاذباً، وإذا لم يكن كاذباً شوَّش على الذين يقضون الصلاة، ثم إن المساجد بنيت للصلاة والذكر وقراءة القرآن وما بنيت للسؤال، فيقال لهذا الرجل: اخرج عند الباب واسأل.ا.هـ.
ونقل إبن مفلح في الآداب الشرعية : عن أبي مطيع البلخي الحنفي أنه قال :
لا يحل أن يعطى سؤّال المساجد .
وقال خلف بن أيوب :
لو كنت قاضياً لم أقبل شهادة من تصدق عليه : يعني في المساجد .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية 22/106رضي الله عنه عن السؤال في الجامع هل هو حلال أو حرام أو مكروه أو أن تركه أحب من فعله ؟
أجاب : الحمد لله .
أصل السؤال محرّم في المسجد وخارج المسجد إلاّ لضرورة
فإن كان به ضرورة , وسأل في المسجد ، ولم يؤذ أحداً كتخطية رقاب الناس
ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله , ولم يجهر جهراً يضر الناس , مثل أن يسأل والخطيب يخطب
أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك , جاز والله أعلم .أ.هـ
منقول والحمد لله رب العالمين
المفضلات