تابــــــــــــــــع تحقق الأخبار المستقبلية في القرآن
الدخان يغشى الكفار في مكة:
رابعاً –قال تعالى: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ، إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) [الدخان: 9-16].
تخبر هذه الآيات عن أمر مستقبلي، وقع بعد نزولها، وهو الدخان الذي غشي أهل مكة، عقاباً من الله، لتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقبل الحديث عن تحقق ووقوع ما أخبرت عنه الآيات، نورد كلام عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه حولها، وهو الذي شهد ما أخبرت عنه.
روى البخاري [برقم: 1007] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رأى من الناس إدباراً، قال: "اللهم سبع كسبع يوسف!" فأخذتهم سنة، حصّت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع!.
فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد! إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم".
وبعدما أورد ابن مسعود هذه الآيات الثمانية السابقة، قال: "فالبطشة يوم بدر، وقد مضى الدخان، والبطشة، واللزام، وآية الروم".
وروى البخاري الحادثة برواية أخرى [برقم: 4809] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سأحدثكم عن الدخان؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشاً إلى الإسلام، فأبطؤوا عليه، فقال: "اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف".
فأخذتهم سنة، فحصّت كل شيء، حتى أكلوا الميتة والجلود، حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخاناً من الجوع.
قال تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ، إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) أفيكشف العذاب يوم القيامة؟.
فكُشف العذاب، ثم عادوا في كفرهم، فأخذهم الله يوم بدر. قال تعالى: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ)".
خلاصة معنى الآيات، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه حولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يأخذ قريشاً بالشدة، بأن يجعل عليهم سبع سنوات محل وجدْب، مثل السنوات السبع الشداد، التي أصابت أهل مصر، في الرؤيا التي رآها الملك، وعبرها له يوسف عليه السلام.
واستجاب الله دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ قريشاً بالسَّنة، وقضى المحل على كل شيء عند قريش، حتى أكلوا الميتة والجلود والجيف!.
وجاعوا جوعاً شديداً، حتى إن الرجل كان إذا رفع رأسه إلى السماء، يرى فوق رأسه دخاناً بينه وبين السماء، من شدة الجوع.
فأتى زعيم مكة أبو سفيان، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يرأف بأقاربه، لأنه يأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، فإنهم قد هلكوا من شدة الجوع، ورجاه أن يدعو الله لهم بالفرَج.
أما الآيات، فإنها تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتقب مجيء السماء بدخان مبين ظاهر، يغشى أهل مكة، وهو عذاب أليم من الله، يوقعه بهم، لكفرهم وتكذيبهم.. وعندما يصابون بالعذاب، سيدعون الله أن يكشفه عنهم، وسيتعهدون أن يؤمنوا.. ويخبرهم الله أنه سيكشف العذاب عنهم قليلاً، وسيزيل المحل والجوع عنهم، لكنهم سينقضون عهدهم، وسيعودون للكفر من جديد، وبعد ذلك سيبطش الله بهم البطشة الكبرى، وهي هزيمتهم في معركة بدر.
وقد تحققت الأخبار الثلاثة بعد نزول هذه الآيات: الدخان الذي غشي كفار قريش.. وعودتهم للكفر بعد كشف الشدة عنهم.. والانتقام منهم بالبطشة الكبرى يوم بدر.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات