تابـــــــــــــــــــــع الفصل الأول إن الله لا يخلف الميعاد
2- من سورة الحج:
قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ، وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحج: 47-48].
الآيتان في سياق المواجهة بين الحق والباطل، سبقتها آيات تتحدث عن مصارع الكافرين السابقين، وتدعو إلى الاعتبار من ما جرى لهم.
وتذكر الآيتان أن كفار قريش كانوا يستعجلون الرسول صلى الله عليه وسلم بالعذاب، فعندما كان صلى الله عليه وسلم يتوعدهم بالعقاب والهلاك، إن استمروا على كفرهم وتكذيبهم وعداوتهم، كانوا يكذبون بذلك ويستبعدونه، ويسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهزؤون به.. ويستعجلون بالعذاب، من باب التكذيب والاستبعاد والإنكار، ويقولون له: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأتنا بما تعدنا به من العذاب!.
ويرد الله على استعجالهم بأنه لن يخلف وعده: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ)، أي: إذا وعدهم العذاب أنفذه وأنجزه، وإذا أراد تعذيبهم فعل ذلك، لأنه لا يخلف وعده، ولا يعجز عن إمضائه وإيقاعه.
3- من سورة الروم:
قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 4-6].
وعد الله في سورة الروم بانتصار الروم الكتابيّين على الفرس المشركين، في بضع سنين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
وسنتحدث عن ذلك في مباحث الكتاب القادمة بعون الله.
وأخبر أن هذا وعد قاطع ماض من الله، لا يتوقف ولا يتخلف، لأن الله لا يخلف وعده.
وذمّ الكفار الذين لا يُصدقون بذلك، ووصفهم بأنهم جاهلون، لا يعلمون هذه الحقيقة الإيمانية، ولا يوقنون بها.
وهذا معناه: أن المؤمنين عالمون، لأنهم يُصدّقون بما وعد الله، ويوقنون بتحقّقه ووقوعه، في مقابل جهل الكافرين المنكرين لذلك.
4- من سورة الزمر:
قال تعالى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ، لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) [الزمر: 19-20].
تقدم الآيتان بعض ما توعد الله به الكفار من عذاب النار في الآخرة، وبعض ما وعد به المؤمنين المتقين من نعيم الجنة.
وتخبر أن هذا وعد من الله، واقع ناجز، لأن الله لا يخلف الميعاد، ولذلك يوقن المؤمن بتحققه ووقوعه.
5- من سورة آل عمران:
قال تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران: 9].
تسجل الآية دعاء الصالحين الراسخين في العلم، الذي يعلنون فيه إيمانهم باليوم الآخر، ويقينهم بأن الله سيجمع الناس جميعاً في يوم القيامة، ليحاسبهم، ويعاقب المذنبين، ويثيب الصالحين، ويعقِّبون على ذلك بذكر الحقيقة الإيمانية من أن الله لا يخلف الميعاد، فبما أنه وعد ذلك، فسينجز وعده.
وقال تعالى: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران: 194].
تسجل الآية دعاء أولي الألباب، الذاكرين الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، والمتفكرين في خلق السموات والأرض، والمطبقين لشرع الله، يرجون الله أن يؤتيهم ما وعدهم، على ألسنة رسله، عليهم الصلاة والسلام.
لقد كان كل رسول –من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام- يبشر المؤمنين الصالحين، ويعدهم حسن الثواب ونعيم الجنة في الآخرة، وها هم أولوا الألباب يرجون الله إنجاز وعده، بأن يدخلهم الجنة، وينَعِّمهم فيها، وهم يأملون ذلك، لأنهم يوقنون أن الله لا يخلف الميعاد.
وندعو إلى الالتفات إلى هذه اللطيفة من لطائف سورة آل عمران:
فالآية التاسعة في مقدمة السورة تسجل دعاء الراسخين في العلم، الموقنين بوعد الله في جمع الناس يوم القيامة، لأنه لا يخلف الميعاد.. والآية الرابعة والتسعون بعد المئة تسجل دعاء أولي الألباب، الذين يرجون الله إنجاز وعده وإدخالهم الجنة، لأنه لا يخلف الميعاد. فأول السورة يُقرر أن الله لا يخلف الميعاد، وآخرها يقرر أن الله لا يخلف الميعاد، وتلتقي على هذه الحقيقة القاطعة بداية السورة ونهايتها.
وكل مؤمن يوقن بهذه الحقيقة، ولا يشك فيها لحظة من حياته!.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات