الفصل السادس تحقق الأخبار المستقبلية في القرآن
من الحقائق الإيمانية القرآنية أن الله اختص بعلم الغيب، وهو ما غاب عن الناس، من العوالم والأحداث، والوقائع والأشياء، ولا يعلم أحد من البشر شيئاً من الغيب، إلا ما علمه الله إياه. قال تعالى: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً، عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) [الجن: 25-27].
وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعترف بأنه لا يعلم من الغيب، إلا ما علمه الله إياه. قال تعالى: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ...) [الأعراف: 188].
عوالم الغيب الثلاثة في القرآن:
لقد تحدث القرآن حديثاً مفصلاً عن ثلاثة من عوالم الغيب:
الأول- غيب الماضي: وهو الأحداث التي وقعت قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن عليه، مثل الحديث عن خلق السموات والأرض، وتفاصيل خلق آدم أبي البشر عليه السلام، وما جرى بينه وبين إبليس، وإهباطه من الجنة إلى الأرض.. وتفاصيل ما جرى بين الرسل وأقوامهم، من نوج إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام.
الثاني- غيب الحاضر: وهو حديث القرآن عن الأحداث، التي وقعت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان القرآن النازل عليه يشير إليها ويعالجها، ويستخلص دروسها وعبرها، ويدخل ضمن هذا الغيب العلم المسمى: (أسباب النزول).
ومن غيب الحاضر حديث القرآن عن (عوالم) غيبية، موجودة في الواقع، لكننا لا نراها، مثل وجود الله وصفاته وأفعاله، ووجود الملائكة وأعمالهم، ووجود الجن وأصنافهم، ووجود الجنة والنار، وغير ذلك.
الثالث- غيب المستقبل: وهو حديث القرآن عن أحداث مستقبلية قادمة، وجزمه بوقوعها.. وهذه الأحداث قد تكون قريبة من نزول الآية، ووقعت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد تكون بعيدة، وقعت بعد عهد الصحابة بفترة، ومنها ما هو واقع في هذا الزمان، ومنها ما سيقع في آخر عمر البشرية، ومنها ما سيقع في الآخرة بعد قيام الساعة!.
تحقيق غيب المستقبل في القرآن:
كل ما أخبر القرآن عنه من أحداث غيب المستقبل وقع وتحقق، كما أخبر عنه القرآن.
وهذا متعلق بما سبق أن قررناه في المباحث السابقة، من أن كلام الله حق وصدق، ولا أحد أصدق في قوله وحديثه من الله، ومن أن الله أحاط علماً بكل شيء، بما كان وما سيكون، وهو قادر على كل شيء، ولا يحدث شيء في هذا الكون إلا بأمر الله وإرادته سبحانه.
فالله علم أنه سيوجد كذا في وقت كذا، وعند مجيء ذلك الوقت، تتوجه إرادته سبحانه إليه، فيوجده كما شاءه وأراده.
وتحقُّق الأخبار المستقبلية في القرآن، كما أخبر عنها، دليل على أن القرآن كلام الله، وليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم. فلو كان من كلامه صلى الله عليه وسلم، لما عرف عليه الصلاة والسلام: أن تلك الأحداث ستقع، في المستقبل القريب أو البعيد، لأنه لا يعلم غيب المستقبل إلا الله! قال تعالى: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الأحقاف: 9].
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات