تابــــــــــــــــــــــــــــــع القرآن يبشّر المؤمنين الصالحين
البشرى للمؤمنين المجاهدين:
سادساً: قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 111-112].
أكرم الله المؤمنين الصادقين، بأن اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، وجعل ثمن هذه الصفقة الجنة، يدخلهم فيها منعمين مكرّمين، لكن طريقة تسليم الأنفس والأموال المباعة، هي جهادهم الصادق في سبيل الله، وقتالهم المستمر لأعداء الله.
وأكرم الله المؤمنين الصادقين إكراماً آخر، بأن جعل هذه الصفقة الكبيرة وعداً عليه حقاً، ألزم نفسه بإنفاذه رحمة وكرماً وفضلاً، وجعل هذا الوعد في كتبه الثلاثة المنزلة: التوراة والإنجيل والقرآن.
ودعا الله هؤلاء المؤمنين إلى الاستبشار بقبول هذا البيع، الذي باعوه لله: (فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وما أعظم أن يجاهد المجاهد في سبيل الله، ويقتحم الميدان، ويقاتل الأعداء، وهو مستبشر سعيد مسرور، راض عن ربه الكريم، موقن بإنجاز وعده العظيم، مقبل عليه بحيوية وتفاعل، وشجاعة وإشراق!.
ولا بد للمؤمنين المجاهدين من أن يتصفوا بالصفات الإيجابية العظيمة، التي ذكرتها الآية الثانية، ليَصْدُقوا في البيعة، وينالوا الثمن والجزاء والكرامة: التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر.
هؤلاء المؤمنون هم أكرم الناس على الله، وهم أفضل من على وجه الأرض، يباهي الله بهم ملائكته، ويحوطهم بحفظه ورعايته.
ومن كرامتهم على الله، أنه يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم البشرى المطلقة: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). البشرى بالخير والتوفيق في الدنيا، والاستمتاع فيها بالحياة الطيبة، وبالجنة ونعيمها في الآخرة!.
البشرى بالفوز والربح والنجاة:
سابعاً: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف: 10-13].
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتبشير المؤمنين، في هذه السورة الجهادية (سورة الصف)، وورد في سياق الحديث عن الجهاد، باعتباره التجارة الرابحة المنجية، وهو السياق نفسه الذي ورد فيه الأمر بالتبشير في سورة التوبة، الذي تحدثنا عنه في الآيات السابقة.
الجهاد تجارة رابحة، منجية من عذاب أليم، والقعود عنه خسارة، وسبب للعذاب الأليم، والجهاد خير للمؤمنين، والقعود شر لهم.
وللجهاد نتائج عظيمة، وثمرات باهرة، لا يمكن للأمة أن تنالها إلا به، مثل مغفرة الذنوب، ودخول الجنات تجري من تحتها الأنهار، وتملّك المساكن الطيبة في جنات عدن، وتحقيق الفوز العظيم والفلاح الكبير.
ومن نتائج الجهاد العظيمة في الدنيا تحقق النصر من الله، والحصول على الفتح القريب.. والقعود عن الجهاد لا يفتح بلاداً، ولا يجلب نصراً، ولا يحرر وطناً، ولا يدفع عدواً.
وفي خاتمة الحديث عن ثمرات ومكاسب الجهاد في الدنيا والآخرة، يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين المجاهدين: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
بماذا يبشرهم؟ يبشرهم بشرى مطلقة، بالحصول على كل مظاهر الخير، في الدنيا والآخرة، ومن أهمها اكتساب ثمرات الجهاد العظيمة، التي قررتها هذه الآيات!.
القرآن حريص على تبشير المؤمنين الصادقين، والمجاهدين الثابتين، وهم ينالون البشرى القرآنية بيقين، فيفرحون وينشطون، ويؤدون واجباتهم، وهممهم عالية، ونفوسهم مشرقة، وآمالهم عريضة، وقد أبعدوا عنهم وساوس الشيطان، وتدسُّس هواجس اليأس أو القنوط أو الإحباط، يحدوهم قوله تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات