تابـــــــــــــــــــــــــــــع استمرار المواجهة بين المسلمين والكافرين
حرص الكفار على ارتداد المسلمين:
ثانياً- قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].
تخبر الآية عن مواجهة أهل الكتاب للمسلمين، وعن هدفهم الراسخ الثابت من هذه المواجهة.
إن كثيراً من أهل الكتاب –من اليهود والنصارى- يودون لو يردون المسلمين عن إسلامهم، ويعيدونهم إلى الكفر بعد الإيمان، والذي دفعهم إلى ذلك هو حسدهم للمسلمين، بعدما تبين لهم الحق، وأيقنوا أن هذا الحق مع المسلمين وحدهم.
وعندما ننظر في هذه الآية، التي تتحدث عن ما يحرك الكفار ضد المسلمين، فإننا سوف نستخرج منها الحقائق التالية:
1- تبيَّنَ للكفار الحق، وعرفوا أن الله اختص به المؤمنين، وأن هؤلاء المؤمنين على هدى من ربهم، وقد عرف الكفار الكتابيون هذه الحقيقة، من خلال حديث كتبهم المقدسة عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، وصفاته العامة، وخصائص الدين الخاتم الذي بعثه الله به، وبهذا التبين والوضوح قامت عليهم الحجة، لئلا يحتجوا بعدم المعرفة.
2- تبين الحق لأهل الكتاب لم يأخذ بأيديهم إلى اتباعه، ويدل هذا على الاعوجاج المتأصل المتجذّر في كيانهم، فالعلم والمعرفة لا ينتجان عندهم النتيجة المنطقية، وإنما ينتجان المزيد من الكفر والبغي والعناد!.
حسد الكفار للمسلمين:
3- حسد الكتابيون الكافرون المسلمين على ما من الله عليهم به من الهدى والخير، لأن الكتابيين حرموا أنفسهم من ذلك الهدى والخير، بتحريفهم لشرع الله، وعصيانهم له، ومحاربتهم لرسله، وبذلك صاروا ضالين مجرمين.
ولما أيقنوا أن المسلمين على خير وهدى وحق، حسدوهم، بدل أن يتابعوهم ويسيروا معهم.
ومعلوم أن الحسد مرض نفسي خبيث، يدفع صاحبَه الحاسدَ إلى أن يتمنى زوال الخير عن المحسود، ويسعى لحرمانه منه، فالمهم عنده أن يزول عنه الخير، ولا يهمه بعد ذلك أن جاء إليه، أو ذهب إلى غيره!.
وحسد الكتابيين للمؤمنين دليل على بغضهم وكراهيتهم لهم، ولا يبغض أصحاب الحق إلا حاسد كافر، مع أن المؤمنين لم يرتكبوا ما يوجب بغضهم وكرههم وحسدهم، ولا ذنب لهم عند الحاسدين، إلا أنهم على هدى وحق!.
4- بُغْض الكتابيين وحسدهم للمسلمين، دفعهم إلى مواجهتهم وحربهم لهم، وحرصهم على إفسادهم، وإغوائهم وإضلالهم، وإبعادهم عن الحق والخير، المحصور في الإسلام، وردتهم عن إيمانهم ودينهم، وإرجاعهم إلى الكفر والضلال والضياع، ليتساووا في ذلك مع الكافرين الحاسدين المحاربين.
5- هذا الهدف الشيطاني عند الكتابيين ليس هدفاً عارضاً، أو ناتجاً عن حلاف ثانوي، إنما هو ود قلبي راسخ، ورغبة قلبية ثابتة متجذرة فيه، والوُد لا يخرج من القلب، ولا يتخلى عنه صاحبه.
متى يرضى الكفار عن المؤمنين؟:
ثالثاً- قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
يخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه لن ترضى عنه اليهود ولا النصارى، حتى يتبع ملتهم، ويأمره أن يواجههم بالثبات على الحق، ويخاطبهم بأن هدى الله هو الهدى، ويهدده بأنه إن اتبع أهواءهم، فلن يجد أحداً ينصره من عذاب الله.
والمقصود من هذا الخطاب الأمة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ملتزم بهدى الله، ولا يُتصور منه اتباع أهواء اليهود والنصارى، فالخطاب في ظاهره للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في الحقيقة خطاب تحذيري من الله لكل فرد من أمته.
ويمكن أن نأخذ من الآية الحقائق التالية:
1- اليهود والنصارى غاضبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى كل مسلم من أمته، لأنه على حق، وهؤلاء يكرهون كل من كان على حق.
مع أن هؤلاء اليهود والنصارى كافرون ضالون، والله غضب عليهم ولعنهم، بسبب كفرهم، وبسبب بغضهم لأوليائه.
2- إنهم لن يرضوا عن أي مسلم إلا إذا اتبع ملتهم، ودخل في دينهم، وصار يهودياً أو نصرانياً، أو على الأقل تخلى عن الإسلام، وترك الهدى، وصار ضالاً ضائعاً. حيران تائهاً، لا دين له ولا عقيدة ولا هوية.
وهذا معناه: أننا إذا رأينا اليهود والنصارى يحبون أحداً من المسلمين، أو يرضون عنه، ويمدحونه، فلا بد أن نشك فيه، وفي ثباته على الإسلام والتزامه به! لأنه لو كان ملتزماً بالإسلام حقاً، لما أحبه هؤلاء الكافرون، ولما رضوا عنه، أو أثنوا عليه ومدحوه.
3- تفسر لنا الآية سبب ذم اليهود والنصارى للعلماء والدعاة والقادة المجاهدين، من المسلمين المعاصرين، حيث يوجهون لهم اتهامات عديدة، بالتطرف والعنف والإرهاب والإفساد والتخريب، ويعلنون عليهم الحرب!.. بينما يرضون عن زعماء وقادة للمسلمين، يمدحونهم وينسّقون معهم! والقرآن يكشف عن سر كرههم للفريق الأول، ورضاهم عن الفريق الثاني.
ولا بد أن نوقن باستحالة حصول مؤمن صالح ملتزم بالإسلام، على رضا ومحبة اليهود والنصارى، ولا يهمه ذلك، لأنه إن رضوا عنه شُك في دينه.
من صفات المؤمنين وصفات الكافرين:
4- تقصر الآية الهدى على هدى الله، وهو ما أوحى به لرسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى). وبما أن اليهود والنصارى لم يدخلوا في الإسلام، فإنهم ليسوا على هدى، وهذا معناه: أنهم على باطل وضلال.
5- بما أنهم ليسوا على هدى، فإنهم متبعون للهوى، والهوى مناقض للهدى، وأهواؤهم هي التي تسيّرهم وتوجههم، وتحكم حياتهم، وهم عبيد لتلك الأهواء.. قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].
6- وبما أنهم متّبعون للهوى، فهم جاهلون، لا علم عندهم ولا معرفة، لأن الهوى لا يقود إلا إلى الجهل، وهو يُلغي مواهب وطاقات الإنسان، ويشلّ مداركه. قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].
العلم ملازم للهدى، والذين هم على علم هم المتبعون لهدى الله: (بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ)؛ والمراد به: العلم النافع لصاحبه في الدنيا والآخرة، وليس مجرد المعرفة والثقافة والدراسة والمطالعة.
7- يمكن أن نستخرج من الآية الصفات التالية لليهود والنصارى: هم جاهلون غير عالمين، هم متبعون للهوى، هم ضالون غير مهتدين، هم مبغضون للمؤمنين.
أما صفات المؤمنين في الآية فهي: هم عالمون، ومهتدون، وثابتون على الحق، وحذِرون من الأعداء!.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات