الفصل السابع استمرار المواجهة بين المسلمين والكافرين
المواجهة بين الحق والباطل قديمة، بدأت منذ بداية الحياة البشرية، وتمثلت الحلقة الأولى منها في ما جرى بين آدم أبي البشر عليه السلام وبين إبليس، عندما كانا في الجنة، فلما نجح إبليس في إغواء آدم وزوجه، وأكلا من الشجرة المحرمة، أهبط الله الجميع إلى الأرض، وأخبرهم أن العداوة متأصلة بينهم، وأنهم سينقسمون إلى فريقين: مؤمنين متبعين لهدى الله، وكافرين متبعين للباطل.
وقد قررت هذه الحقيقة آيات كتاب الله. منها قوله تعالى: (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ، فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 36-39].
وكان الرسل والأنبياء يقودون المؤمنين في مواجهة الكافرين، بينما كان إبليس وأعوانه من شياطين الجن والإنس يقودون الكافرين في هذه المواجهة.
واستمرت هذه المواجهة طيلة القرون العديدة، الممتدة من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الله يُنهي كل حلقة من حلقاتها، بإهلاك القوم الكافرين، وإنجاء القوم المؤمنين. وقد ذكر القرآن أمثلة عديدة لهذه الحقيقة؛ كقصة قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم لوط...
المسلمون وحدهم على الحق:
وانتهت قيادة جند الحق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت الأمة المسلمة هي الممثلة للحق، المتحركة به، الشاهدة على باقي الأمم.
واقتصر الهدى على ما مع هذه الأمة من رسالة ومنهج، ونسخ الله الأديان السابقة، وأمر أتباعها بالدخول في الإسلام، فإن لم يفعلوا ذلك كانوا كافرين مخلّدين في نار جهنم. قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
وقابلت الأمم الأخرى هذه الأمة بالعداوة والبغضاء، وأعلنت عليها وعلى دينها الحرب الشديدة. وكان اليهود هم الأشد عداوة لهذه الأمة، يتحالفون مع الآخرين ضدها، ويُهيّجونهم على حربها. قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82].
وبما أن المسلمين هم الشهداء على الأمم، فإن رسالتهم مستمرة حتى قيام الساعة، وشهادتهم مستمرة حتى قيام الساعة. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة: 143].
وهذا معناه: أن مواجهة أعدائها لها مستمرة، حتى قيام الساعة، لا يتوقفون عن حربها، والكيد ضدها، والتآمر عليها.
وقد ركّزت على هذه الحقيقة آيات عديدة في القرآن:
الكفار لا يحبون الخير للمسلمين:
أولاً- قال تعالى: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ) [البقرة: 105].
تجمع الآية بين الكفار من أهل الكتاب –اليهود والنصارى- وبين المشركين، وتخبر أنهم جميعاً يكرهون المسلمين، ويتمنون أن يبقوا في الشر والضيق والضنك والشقاء.
إن الكفار من أهل الكتاب والمشركين لا يودون أن ينزل على الأمة المسلمة أي خير من الله، لأن حصولها على ذلك الخير معناه قوة الأمة وحيويتها، والكفار يريدون أن تبقى الأمة في ضعف وذل وهوان.
وبما أن الخير للمسلمين محصور بالإسلام والقرآن، الذي هو النور والهدى، والروح والحياة، فالكفار حريصون على إبعاد المسلمين عن إسلامهم، مصدر الخير لهم.
والتعبير عن هذه الرغبة الخبيثة بالود مقصود، لأن الود أمر قلبي، وأمور القلب متجذرة فيه، وهذا معناه: أن حرمان المسلمين من الخير والعزة ليس شيئاً عارضاً عند الكفار من أهل الكتاب والمشركين، إنما هو قاعدة راسخة عندهم، وهدف استراتيجي لهم، هو الباعث والمحرك لمواجهاتهم ضد المسلمين.
وهذا معناه: أن كل خطط الكفار ضد المسلمين تهدف إلى حرمانهم من الخير، وإبعادهم عن الهدى، وإن أخفوا هذا الهدف، وأظهروا رغبتهم في نفع المسلمين وإصلاح أحوالهم.. وهذا معناه أيضاً: أن يحذر المسلمون أعداءهم المتآمرين عليهم، وأن يشكوا في كل ما يقدمونه لهم، لأن الذي يحركهم هو حرمان المسلمين من كل خير، وإبقاؤهم في الشر!.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات