الفصل الثاني الوعد القرآني في سورة الأعراف
سورة الأعراف مكية، نازلة في الفترة الحرجة الشديدة نفسها، التي مرت بها الدعوة الإسلامية في مكة، والتي تحدثنا عن بعض ملامحها في المبحث السابق، الذي عرضنا فيه الوعد القرآني في سورة الأنعام، ولذلك كان من أهداف السورة تفنيد شبهات ودعاوى المشركين، والانتصار للحق، وتعليم المؤمنين الحجة، وملء قلوبهم بالأمل واليقين بانتصار الإسلام وأهله، وهزيمة الكفر وأهله، وتقديم الوعد الجازم النافذ بتحقيق ذلك.
وحققت السورة هذه الأهداف، عن طريق (استعراض) الموكب الإيماني الكريم، الذي يقوده الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، في مواجهة الكافرين المكذبين، حيث كان سياق السورة المتتابع يتوقف في (محطات) خاصة، للعبرة والعظة، يبرز فيها نهاية كل جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، التي تحققت في انتصار الحق، ونجاة الرسل وأتباعهم المؤمنين، وهزيمة الكفر وإهلاك الكافرين.
بدأ الاستعراض بقصة آدم عليه السلام ضد إبليس، ومر بقصة نوح عليه السلام، ثم بقصة هود، ثم بقصة صالح، ثم بقصة لوط، ثم بقصة شعيب، عليهم الصلاة والسلام، وكانت الوقفة طويلة أمام قصة موسى عليه السلام أمام فرعون، عرضت فيها لقطات منوعة من قصة بني إسرائيل، وأدانتهم لخروجهم على شرع الله!.
ودل الاستعراض الهادف على حقيقة قرآنية إيمانية، هي: هزيمة الباطل، وإهلاك أهله الكافرين، وفشلهم في مواجهة الحق، وانتصار الحق وأهله، والتمكين لهم في الأرض.
وتؤخذ هذه الحقيقة المقررة للوعد القرآني من آيات السورة التالية:
الحديث عن الآجال الثلاثة:
أولاً: قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].
تتحدث الآية عن أعمار الأمم وآجالها، فإذا ما انتهى عمر أمة وجاء أجلها، انتهت وزالت.
لقد جعل الله الحكيم للمخلوقات آجالاً ثلاثة:
أجل كل إنسان:
1- الأجل الخاص بكل إنسان: حيث حدد الله لكل إنسان عمره، وقدّر له أجله، فإذا انتهى عمره ودنا أجله، قبضَه وأماته.
وقررت هذه الحقيقة المتفق عليها، آيات عديدة من القرآن؛ منها قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [الزمر: 42].
وإذا دنا أجل إنسان، وأتاه ملك الموت لقبض روحه، وطلب التأخير، فإنه لا يستجاب له، لأنه لا يؤخّر الأجل، قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10-11].
أجل كل أمة:
2- الأجل المتعلق بكل أمة: فالله هو الذي يوجد الأمة ويمكّن لها في الأرض، وينعم عليها بالعديد من النعم، ويطالبها بذكره وشكره، وهو سبحانه يحدد لها عمرها، ويقدر زمناً معيناً لقوتها وسلطانها، ونفوذها ووجودها..
فإذا جاء أحل الأمة، أوقع الله بها أمره، وقضى عليها، وذلك إما بتدميرها وإهلاكها، كما فعل مع الأقوام السابقين، كقوم نوح وعاد وثمود، وإما بإضعافها وإزالة نفوذها، وتقلّص سلطانها.
كما حصل مع الروم والفرس والهنود في الماضي، وكما حصل مع أمم قوية معاصرة؛ كالإسبان والطليان، والإنكليز والروس والألمان!.
وتحدث القرآن عن آجال الأمم المحدّدة في عدة آيات، إضافة إلى هذه الآية من سورة الأعراف. منها قوله تعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ، مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) [الحجر: 4-5].
ومنها قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61].
أجل الحياة الدنيا:
3- الأجل المتعلق بالدنيا: فالله خالق الكون كله، بما فيه من سماوات وأرض، ونجوم وكواكب، وشمس وقمر. وحدد لهذا الكون عمراً، وقضى له أجلاً، فإذا جاء هذا الأجل المسمى المحدد، أزال الله هذا الكون، وأنهى الحياة الدنيا، وقضى على الشمس والقمر والأرض والنجوم، وبذلك تبدأ الحياة الآخرة الدائمة الباقية.
قال تعالى: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى) [الرعد: 2].
فالشمس والقمر يجريان ملايين السنين، دون توقف أو عطب أو تلف، لكن الله حدد لهما أجلاً مسمى، إذا جاء أفناهم وقضى عليهما.
قال تعالى: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى) [الأحقاف: 3]. فالسموات والأرض لهما أجل مسمى معين محدد، إذا جاء أفناهما الله، وأزال الحياة الدنيا، وبدأت الحياة الآخرة.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات