*** السودان على المقصلة ......... !!! ***
تبدو ظاهرةً للعيان خطوات المشروع الأمريكي الصهيوني الغربي، الذي يستهدف العالم العربي والإسلامي قطراً قطراً، فبعد أن تم تدمير دولة العراق وحل جيشها وتفكيك بنيتها، وإبادة مؤسساتها، وبث الفرقة بين مكونات شعبها، واغتيال علمائها، وإحكام السيطرة على بترولها، وتهيئة قسمتها إلى ثلاث دول أو أكثر، فضلاً عن تجريدها من قوتها، وإعادة صياغتها لتكون إحدى قواعد الارتكاز للمشروع الأمريكي الصهيوني المعتدي الذي يهدف كما صرّح قادة الحقبة البوشية إلى تحرير العالم الإسلامي كله، هذا ما قالته كونداليزا رايس بلسانها، وقد سبق أن قال وزير الخارجية الأمريكي السابق أمام الكونغرس قبل الحرب في معرض تبريره لشن الحرب: أنّ احتلال العراق يأتي في سياق إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم (إسرائيل) والمصالح الأمريكية، دون لف أو مواربة.
لقد سبق احتلال العراق حشد من المبررات لإقناع الشعب الأمريكي أولاً والشعوب العربية ثانياً، والرأي العام العالمي ثالثاً، مثل احتلال العراق لأسلحة التدمير الشامل، وتهديد العراق لدول الجوار، كما أنه يمثل تهديداً صارخاً لدولة (إسرائيل)، بالإضافة إلى حماية حقوق الإنسان، ونشر الديمقراطية ومقاومة الإرهاب! الآن يأتي الدور على السودان، فبعد أن تم اكتشاف النفط بكميات كبيرة، بالإضافة إلى توفر كميات كبيرة من المعادن الثمينة، ومجيء الصين والهند وماليزيا للاستثمار فيه، شعرت الدول الاستعمارية المتسلطة بالحنق الشديد (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة)، وأحكمت خطتها لتحطيم هذه الدولة، ولكن بطريقة شرعية من خلال مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية.
فالسودان الذي استطاع أن يضع حداً لحرب الجنوب التي استنزفت جهد السودانيين عبر عقدين من الزمان، وتم عقد معاهدة صلح لتقاسم الثروة، إلاّ أن أمريكا وإسرائيل والغرب ظلت تحاول إفشال هذه الخطوة عن طريق تزويد الفصائل المتمردة بالمال والسلاح الحديث.
ثم عمدت هذه الدول إلى التدخل في إقليم (دارفور)، وتم إنشاء جماعات متمردة، وأمدتها بالمال والسلاح، لإضعاف الحكومة المركزية وإشغالها عن القيام بدورها في خدمة الشعب السوداني وتحقيق أمنه واستقراره.
وقد بذلت الحكومة السودانية جهوداً مضنية من أجل إرضاء الفصائل المسلحة، وتم عقد صلح معها أو مع أغلبها، وفي كل مرة تحاول الدول ذاتها إفشال أي معاهدة صلح وبقيت تصب الزيت على النار، وبقيت تحيك المؤامرات وتزود الفصائل بالأسلحة الحديثة والأموال من أجل الاستمرار في مناهضة حكومة عمر البشير.
لقد استطاع عمر البشير من خلال ذكائه السياسي ووطنيته الصادقة أن يحقق خطوات متقدمة في احتواء بؤر التمرد والعمالة، واستطاع أن يعيد التحالف مع كبرى الأحزاب السودانية العريقة والتاريخية، مثل حزب الأمة بقيادة المهدي، وحزب الاتحاد بقيادة الميرغني، بالإضافة إلى دخول أكبر الفصائل المتمردة في معاهدات صلح، واستطاع أن يحبط الهجوم المدرع القادم من الخارج والمسلح بأحدث الأسلحة الغربية، وفي الوقت نفسه خطت الحكومة السودانية خطوات كبيرة على صعيد الإنتاج الزراعي خاصة في مجال القمح والذرة والسكر، لتصبح من أوائل الدول المصدرة في العالم، وأصبحت دولا ذات إنتاج صناعي متقدم، وتملك ثروة حيوانية هائلة تستطيع تغطية حاجة الوطن العربي كله من اللحوم.
كل ذلك يمثل لدى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عاملاً إضافياً مقنعاً لديها بضرورة الإسراع في تحطيم هذه الدول وإفشالها، قبل أن تصبح نموذجاً إفريقياً في النموّ والازدهار، ولذلك أرسلت جمعيات حقوق الإنسان المشبوهة التي تستخدم واجهة لدوائر الاستخبارات والأمن من أجل تدبيج التقارير الكاذبة عن حوادث القتل والاغتصاب والإبادة الجماعية، ثم عمدت إلى تجنيد بعض العملاء من السودان نفسه، ليعتمد عليهم في نقل أصواتهم المشبوهة عبر الإذاعات العالمية والفضائيات؛ لتسويغ اتخاذ القرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن بضرورة التدخل العسكري، وآخر ما تمّ ابتكاره في هذا المجال استغلال المحكمة الجنائية الدولية لاستصدار قرار من المدعي العام باعتقال الرئيس عمر البشير، من أجل إفشال كل جهود المصالحة، وإفشال كل المحاولات الداخلية للإصلاح، وإشاعة الفوضى والارتباك في صفوف الشعب والقيادة السودانية لتحقيق غاية استباحة الأرض السودانية وتدمير دولة وأمة كما جرى في العراق، ولكن بنموذج آخر مختلف.
المصدر
جريدة الرأي الأردنية
المفضلات