الفصل الرابع الوعد القرآني في سورة هود
سورة هود مكية، وأنزلت في الفترة الحرجة نفسها، التي تحدثنا عن ملامحها من قبل، وهدفت إلى ما هدفت إليه سورة يونس، والسور الأخرى النازلة في تلك الفترة، مع تميز كل سورة بشخصية خاصة، ذات ملامح خاصة، وطريقة خاصة في عرض موضوعاتها، وتقرير حقائقها.
وقامت سورة هود بتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الحق، وملء قلوبهم باليقين والأمل، بانتصار الإسلام، وهزيمة الكفر، من خلال استعراض قصص الرسل مع أقوامهم، وهم: نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، عليهم الصلاة والسلام. وكان ترتيب ذكر الرسل وفق التسلسل التاريخي.
والمذكور من قصة كل رسول من هؤلاء مع قومه هو قيام الرسول بتبليغ الدعوة لقومه، وذكر موقفهم من دعوته، ثم استعراض بعض ما جرى من حوار ونقاش بينه وبينهم، وتحديه لهم، وإصرارهم على الكفر والتكذيب والعداء، ثم ذكر خاتمة قصته معهم، بإنجاء الرسول وأتباعه المؤمنين، وإهلاك أعدائه المكذبين.
والهدف من هذا الاستعراض، والتركيز على هذه المشاهد من قصة كل رسول، هو تثبيت المؤمنين على الحق، وتقوية هممهم وعزائمهم على المواجهة والتحدي، ولفت أنظارهم إلى سنة الله في الدعوات، واستشرافهم الأمل الكبير، ونظرتهم نحو المستقبل المأمول، بالتمكين لهم، والهزيمة لأعدائهم!.
وقد جاءت آيات التثبيت والتوجيه والوعد، في ذكر ما جرى بين الرسل وأقوامهم، أو في التعقيب على إنهاء المواجهة بين الفريقين.. ومن أشهرها ما يلي:
العاقبة للمتقين:
أولاً: في التعقيب على قصة نوح عليه السلام مع قومه، التي انتهت بإغراق الكافرين بالطوفان، وإنجاء نوح وأتباعه المؤمنين في السفينة، ثم إنزالهم إلى الأرض بعد الطوفان، لاستئناف الحياة من جديد.
جاء التعقيب على ذلك بقوله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود: 49].
يقول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ما ذكرناه لك من قصة نوح من أنباء الغيب، أوحيناها إليك، ولم تكن تعلمها أنت من قبل، كما أن قومك لم يكونوا يعلمونها، وورود هذه الأنباء في القرآن دليل على أن هذا القرآن ليس من تأليف مخلوق، إنما هو وحي منا إليك.
وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر، بمعناه العام الشامل، لأن الصبر زاد ضروري، في مرحلة انتظار النصر.
وقررت الآية سنة ربانية مطردة: (إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ). أي: نهاية المواجهة بين جند الحق وأصحاب الباطل هي في إنجاء المتقين، وإهلاك الكافرين، فالعاقبة دائماً للمتقين، يمن الله عليهم بالفرج والنجاة والنصر والتمكين، وعليهم أن يستشرفوا المستقبل بيقين، وينظروا للعاقبة بثقة وأمل، وينتظروا تحقيق ما وعدهم الله به!.
سنة الله في الاستخلاف:
ثانياً: عرضت آيات السورة بعض ما جرى بين هود عليه السلام وبين قومه، وسجلت بعض ما قاله هود عليه السلام لهم، ومنه انتظاره إهلاكهم واستخلاف آخرين مكانهم. وذلك في قوله تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) [هود: 57].
أي: الواجب علي تبليغكم الدعوة، وإقامة الحجة عليكم، وقد فعلت ذلك، فإن رفضتم دعوتي، وتوليتم وأعرضتم، وأصررتم على الكفر والتكذيب والعداء، فأنتم الخاسرون، وبذلك تجنون على أنفسكم، فالله سيدمركم ويهلككم، كما فعل بقوم نوح من قبلكم، وأنتم لا تعجزون الله، ولا تضرونه شيئاً بكفركم..
وسيستخلف الله قوماً غيركم، يرثونكم، ويأتون مكانكم، فهذه سنة الله التي لا تتخلف.
وقد حقق الله سنته، فأنجى هوداً والذين معه، وأهلك قومه الكافرين، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ، وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود: 58-60].
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات