تابـــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الروم
نظرة المؤمنين والكافرين إلى وعد الله:
ونصت الآيات على أن غلبة الروم للفرس، وانتصار المسلمين على المشركين، وعد من الله الحكيم الخبير، والله لا يخلف وعده: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ). والمؤمنون يتعاملون مع وعد الله باليقين والثقة، ويجزمون بأن الله منجز وعده.
أما الآخرون فإنهم يشكون في وعد الله، لأنهم لا يعلمون قدرة الله المطلقة، وأنه سبحانه فعال لما يريد، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).
لقد كان المشركون في مكة يستبعدون انتصار الروم على الفرس في بضع سنين، لأنهم حللوا الأحداث تحليلاً مادياً بشرياً، وهذا التحليل المادي يجعل من المستحيل انتصار الروم بعد تسع سنين، وهم الدولة المهزومة، التي تحطّم جيشها، واحتلت بلادها، وحوصرت عاصمتها!.
لكن المسألة في التحليل الإيماني لها بُعْد آخر، فإذا أراد الله تقوية الروم المهزومين في بضع سنين فعل، وهيأ لذلك الأسباب، وإذا وعد بذلك أنجز وعده!.
وكان المشركون في مكة يستبعدون انتصار الصحابة المستضعفين عليهم، لأن قوة الصحابة لا تُذْكَر أمام قوتهم، وذلك وفق التحليل المادي البشري القاصر. أما في التحليل الإيماني فليس الأمر مستبعداً أو مستحيلاً! لأن الله إذا أراد شيئاً فعله، وإذا وعد بشيء أنجزه، ولذلك نصر الصحابة في بدر، مع كونهم أذلة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران: 123].
الصبر على انتظار تحقق وعد الله:
ثانياً: قوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم: 58-60].
ذكر الله أمثلة عديدة منوعة في القرآن، وفصّل فيه الآيات، ونوّع فيه الحجج والأدلة والبراهين، ليفهمها الناس ويعوها، ويُحسنوا التعامل معها.
ولكن الكفار جاهلون، مطبوع على قلوبهم، يقابلون الأمثال والآيات القرآنية بالعناد والإصرار والتكذيب! وإذا قُدّمت لهم خوارق ومعجزات لا يصدقون بها، ويتهمون الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر سحرهم، وأن المسلمين على باطل: (وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ).
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على عناد وتكذيب المشركين، وحربهم وعداوتهم له، فالصبر زاد عظيم، يتزود به الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أن يحكم الله بينه وبين أعدائه.
عدم استعجال تحقق وعد الله:
وبعد الأمر بالصبر، تؤكد الآية تحقق وعد الله: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) والمراد بوعد الله هنا، وعده سبحانه بانتصار الحق وأهله، وهزيمة الباطل وأهله.
ومعنى أنه حق، أنه سيتحقق في عالم الواقع، وسيرى الناس انتصار المؤمنين، وهزيمة الكافرين.
واللطيف أنه بعد تقرير تحقق وعد الله بالنصر، جاء التحذير من الذين لا يوقنون بهذه الحقيقة: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ). فالذين يشُكُّون بوعد الله، أو يستبعدون وقوعه، قد (يستخفون) بالمؤمنين، ويقذفون في قلوبهم اليأس، أو يدفعونهم لبعض الأعمال والتصرفات المرتجلة المندفعة، التي تقود إلى نتائج خاطئة، والسبب في ذلك هو استعجال تحقق وعد الله.
على المؤمن أن يوقن بأن وعد الله حق، وأنه لا بد أن يتحقق، وأن يصبر على انتظار تحققه، وأن لا يتعجل وقوعه، وأن لا يستخفّه أو يستفزه المتعجلون، وأن يدع الأمر إلى حكمة الله الحكيم الخبير، الذي يحققه متى شاء سبحانه!.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات