تابـــــــــــــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة القمر
الرسول يسأل ربه إنجاز وعده:
روى البخاري [برقم: 4877] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال –وهو في قُبّة له يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَد بعد اليوم أبداً".. فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده، وقال: حسبُك يا رسول الله، فقد ألححْت على ربك! وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ).
يخبر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله وتضرّع إليه واستغاثه، قُبيل خوض المعركة، ونشد الله إنجاز وعده، ونصر العباد المؤمنين المجاهدين، لتستمر عبادته في الأرض.
وأكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من تضرعه ودعائه، حتى أشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال له: حسبك يا رسول الله، فإن الله منجز لك ما وعد.
وعندما رجا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه إنجاز وعده. كان يتذكر آية سورة القمر، التي نزلت قبل بضع سنوات، بدليل أنه بعد تضرعه، خرج من قُبّته، وهو يثبُ في الدرع ويتلو الآية نفسها: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). وهو مستبشر بتحقق وعد الله!.
وقد فصّل عمر بن الخطاب رضي الله عنه تضرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بألفاظ أخرى.
روى مسلم [برقم: 1763] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: "لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وهم ألف، وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض".
فما زال يهتف بربه، مادّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربّك، فإنه منجز لك ما وعدك..
فأنزل الله عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9]. فأمده الله بالملائكة".
الرسول صلى الله عليه وسلم –من خلال هذه الرواية- يهتف بربه، ويدعوه ويتضرع إليه، ويرجوه أن يُنجز له ما وعده، ويؤتيه ما وعده، وهو الوعد الذي قرّرته آية سورة القمر وأمثالها، بانتصار المؤمنين وهزيمة الكافرين.
وقد أشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وطمأنه أن الله منجز له ما وعده.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على يقين أن الله سينجزُ له ما وعدَه، ولم يشك في ذلك لحظة، لكن دعاءه وتضرُّعه من باب الأخذ بالأسباب، والدعاء إلى الله، لاستجلاب موعود الله.
وكان أبو بكر رضي الله عنه على يقين، بأن الله سينجزُ وعدَه، لأنه لا يُخلف الميعاد، ويوقن بالنصر في المعركة، رغم عدم توازن وتكافؤ الجمعَيْن!.
عمر يخبر عن إنجاز الوعيد في بدر:
واللطيف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارح عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بما حدّث به نفسه، عند نزول الآية المذكورة، حاملة ذلك الوعد الرباني.
قال السيوطي في [الدر المنثور: 7/681]: "أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنزل الله على نبيه بمكة قبل يوم بدر: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! أيّ جمع سيُهزم؟.
فلما كان يوم بدر، وانهزمت قريش، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مُصْلِتاً بالسيف، وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). وكانت ليوم بدر".
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما نزل قوله تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) جعلْتُ أقول: أي جمع سيُهْزَم؟.
حتى كان يوم بدر، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَثِبُ في الدرع، وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)، فعرَفْت تأويلها يومئذ.
يخبر عمر رضي الله عنه أنه لما أُنزلت الآية في مكة عرف معناها، وأيقن بما فيها من وعد رباني قادم، وأنه لا بد أن يتحقق.. لكنه لم يعرف كيف ولا متى ولا أين! فآمن بالوعد، وترك وقت تحقيقه لحكمة الله.
وبعد سنوات، وفي معركة بدر، سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو الآية وهو يلاحقُ الكفار المنهزمين، فعرف أن تحقيق ذلك الوعد كان في بدر.
واللطيف في كلام عمر رضي الله عنه، أنه اعتبر تحقق الوعد النظري في صورته العملية التطبيقية: (تأويلاً) للآية، لأن التأويل هو بيان النهاية والمآل والمصير: "فعرفْتُ تأويلَها يومئذ"!.
* *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات