الفصل الثاني الوعد القرآني في سورة آل عمران
خسارة وحسرة الكفار:
في سورة آل عمران عدة آيات، تتضمن وعوداً بهزيمة الكفار وانتصار المسلمين. من هذه الآيات:
أولاً: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ، كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ) [آل عمران: 10-13].
تقرر هذه الآيات حقيقة قرآنية قاطعة، هي خسارة الكفار وحسرتهم، فهم لا يفلحون ولا ينجحون، لا في الدنيا ولا في الآخرة. إنهم في الدنيا مهزومون مغلوبون هالكون، لا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم، ولا تدفع عنهم عذاب الله، وفي الآخرة هم وقود النار، مخلدون فيها.
وتقدم الآيات نموذجين من الكفار، تمثلت فيهما هذه الحقيقة: نموذج آل عمران، ونموذج كفار قريش.
آل فرعون والذين من قبلهم، كذبوا بآيات الله، وحاربوا رسل الله، وأشركوا بالله، وحاربوا دين الله، فخابوا وخسروا، وأخذهم الله بذنوبهم، وأهلكهم ودمرهم، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً.
هزيمة الكفار في بدر عبرة:
أما كفار قريش، فإنهم يعلمون ماذا جرى لهم على أرض بدر. ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: أيها الكفار! لا جدوى من محاربتكم للحق، فالحق منصور بإذن الله، والمؤمنون غالبون بإذن الله، وأنتم مهزومون فاشلون، ومغلوبون خاسرون، وفي الآخرة ستحشرون إلى جهنم، وبئس المهاد والمصير والقرار.
وتذكر الآيات ما جرى في غزوة بدر بين المسلمين وبين الكافرين، وتجعل ذلك آية وعبرة، وتخاطب الناس قائلة: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
التقت الفئتان على أرض بدر، ووقعت بينهما أول معركة بين الحق والباطل في تاريخ المسلمين. فئة المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الفئة تقاتل في سبيل الله، وفئة الكافرين بقيادة أبي جهل (عمرو بن هشام)، وكانت تقاتل في سبيل الطاغوت.
وكان الكافرون مثلي عدد المؤمنين: (يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). أي: يرى المسلمون الكافرين مثلَيْهم، عندما ينظرون إليهم بعيونهم.
ومعلوم أن عدد الكفار في غزوة بدر كان ضعفي عدد المسلمين، فبينما كان عدد المسلمين ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، كان عدد الكفار حوالي ألف رجل.
ومع قلة عدد المسلمين في غزوة بدر إلا أن الله نصرهم على أعدائهم، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران: 123].
وعد الله بنصر عباده المجاهدين:
ومن سنة الله المطردة، أنه ينصر عباده المجاهدين على أعدائهم الكافرين، ولذلك قال تعالى: (وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ).
ولا يلتفت إلى هذه الآيات، ولا يعتبر بما فيها من العبر والعظات، إلا أصحاب البصائر الإيمانية.
ونأخذ من هذه الآيات وعداً إيمانياً قرآنياً، بنصر الله لعباده المؤمنين المجاهدين، في أية صورة من صور النصر، التي يختارها بحكمته سبحانه وتعالى. ونتعامل مع الكافرين من اليهود والصليبيين وغيرهم على ضوء قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً). ونوقن أنهم خاسرون في النهاية، في أي معركة يخوضونها ضد إسلامنا العظيم.
ونخاطب هؤلاء اليهود والصليبيين بما أمرنا الله أن نخاطبهم: يا أيها الذين كفروا: ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد، ولا فائدة لكم من محاربة الإسلام، فقد حاربه كفار قبلكم، ففشلوا في القضاء عليه، واقرؤوا التاريخ لتعتبروا.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات