"مجموعة أهم الأحداث": أتذكر وأنا في سنوات التعليم الأولى مشكلتي كانت حادة مع "مفعول لأجله"، في الحقيقة كنت أعاني من مشكلة استيعاب خاصة لكل ما هو منصوب و مجرور... ومن أجل ذالك كنت أشعر بالحرج وضيق كل ما اقتربت مادة النحو.
لكن في إحدى هذه الحصص ، التي كانت مخصصة للمفعول لأجله ، سألني المعلم أفرض يا بني أنك سافرت إلى لبنان "طلبا للعلم" ولم يقل "طلبا للبزنسة" ، لأن في ذالك الوقت كانت الأولية للعلم ... ثم طرح علي سؤالا "لماذا سافرت إلى لبنان يا بني"؟ ، فأجبت "من أجل العلم" ، فصاح المعلم صيحة فرح و انتصار "أحسنت يا بني " مضيفا "طلبا" هو مفعول لأجله.
ومن ذالك الوقت نقشت في ذاكرتي هذا المفعول ، بل أكثر من ذالك شجعني هذا الانتصار الذي حققته مع "المفعول لأجله" لاستيعاب كل دروس مادة النحو ، وخاصة بعد ما وقعت في مطبة أخرى في نفس المادة ، أي مادة النحو ، عندما طلب مني المعلم تكوين جملة فيها "الجار و المجرور" ،فقلت " ركبت في الحمار" ...
وبعد أن هدأت القاعة من الضحكات وفي مقدمتهم المعلم ، همس في أذني هذا الأخير ، قائلا "يا بني ، الحمير خلقت للركوب عليها ولا لشيء آخر إلا الركوب و حمل الأثقال عليها..."، مركزا على "عليها" ، وفي ذالك الوقت فهمت المعنى النحوي و عندما كبرت فهمت المعنى المجازي ...
تذكرت كل ذالك ، وأنا أحاول مقارنة الماضي بالحاضر ، الماضي رغم قلة الإمكانيات مقارنة بالحاضر ، كان التعليم فيه كالنقش على الحجارة . قبل أن يتحول "كنقش على المياه الجارية"... وتوصلت إلى هذه القناعة بعد أن شاهدت بأم عيني جامعيين ينقلون حرفيا بحوثهم من مطبوعات جاهزة . عندما أبديت لهم عن دهشتي قائلا لهم أن الأستاذ سيعطي لهم "الأصفار المربعة" ، قهقهوا طويلا قائلين "الأساتذة أنفسهم يطلبون ذالك " ، ومنهم من يحدد حتى اسم المطبوعة ، وكل ما كان البحث متطابق مع تلك المطبوعة تكون العلامة أعلى...
قارنت هذا الحاضر مع ذالك الماضي المبني للمعلوم ، قبل التعليم الجامعي بل قبل التعليم الثانوي ، عندما كان يطلب الأساتذة من التلاميذ و الطلبة تقديم بحوث أو مواضيع "إنشائية" ، وكان كل بحث أو موضوع يجد فيه الأستاذ حرفا واحدا مما قاله في الشرح مصيره سلة المهملات و ينال ذالك التلميذ أو الطالب علامة الصفر ، مهما كانت قيمة و نوعية ذالك الموضوع. وذالك لإجبار هؤلاء " عصر" أمخاخهم في البحث و تكوين الجمل والعبارات و بالتالي الموضوع يكون من أفكارهم و "إنتاجهم" مائة في مائة...
الأخطر كل من ذالك ،في الوقت الحالي، هناك تلاميذ في سنوات الأولى من التعليم الابتدائي يطلب منهم الذهاب إلى مقاهي الانترنت التي تكون غالبا مجاورة لتلك المدارس لاستنساخ ، مقابل مبلغ مالي طبعا ، من شبكة الانترنت مواضيع جاهزة ، كمثل عن الأم ، الوطن ، إلى غير ذالك... بمعنى نقشا في الماء كما ذكر آنفا.
حمدان العربي الإدريسي
12.10.2011
المفضلات