الفصل العاشر الوعد القرآني في سورة المجادلة
الكفار يحادون الله ورسوله:
من آيات الوعد القرآني الصادق في سورة المجادلة المدنية هذه الآيات:
أولاً: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [المجادلة: 5].
تتحدث الآية عن الكافرين أعداء هذا الدين، وتخبر عن كبتهم وهزيمتهم، ككبت الذين من قبلهم.
وقد وصفت الآية الكافرين بأنهم: (يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). و(يُحَادُّونَ) فعل مضارع، الماضي منه رباعي: (حادّ)، والثلاثي منه: (حدّ)، وهو مأخوذ من الحد، الذي هو الفاصل بين شيئين، مثل حدّ الأرض وحد البيت، وهكذا.
والكفار (يُحَادُّونَ) الله ورسوله. أي: يحاربون الله، ويحاربون رسوله، ويحاربون دينه، وعبر عن عداوتهم وحربهم بفعل (يُحَادُّونَ)، للدلالة على وقوفهم في الجانب المواجه للإسلام والمسلمين.
وهؤلاء الكفار ليسوا خاصين بقوم معيّنين، بل هم يشملون كل كفار يعادون هذا الدين، على اختلاف الزمان والمكان، مثل كفار قريش والمنافقين واليهود، والفرس والروم والترك والهنود، والكفار المعاصرين من اليهود الملحدين والنصارى الصليبيين.
وبما أن مسلسل الكفار المعادين مستمر، فمحادّتهم لله ورسوله مستمرة، ولذلك عبرت الآية عن ذلك بالفعل المضارع، الدال على التجدد والاستمرار: (يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
وعد الله بكبت وذل الكفار:
وعد الله بكبت هؤلاء الكفار المحادّين المعادين: (كُبِتُوا)، والكبت هو الإذلال والإهانة والهزيمة. وفعل (كُبِتُوا) مبني للمجهول، محذوف فاعله، للعلم به؛ لأنه من المعلوم بداهة أن الله هو الذي كبتهم، وللتركيز عليهم، ولذلك جاء الضمير في الفعل (كُبِتُوا) العائد عليهم نائباً للفاعل.
وكبت هؤلاء الكافرين المعادين مثل كبت الكفار الذين كانوا قبلهم: (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).
والذين من قبلهم هم الذين ذكرهم الله لنا في القرآن، كقوم نوح وعاد وثمود ومدين، وفرعون وهامان وقارون وغيرهم، الذين كبتهم الله وأذلهم وأهانهم، وأوقع بهم عذابه، ونصر رسله وأتباعهم المؤمنين.
وقوله: (وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) يشير إلى آيات القرآن الواضحات، ويلفت أنظار المسلمين إلى تفاصيل كبت وإذلال وإهلاك الكافرين السابقين، الموجودة في آيات القرآن البينات.
وهذه دعوة من الآية للمؤمنين إلى معرفة كيف كبت الله الكفار السابقين، والوقوف على تفاصيل إهلاكهم، وذلك بتدبر آيات القصص القرآني التي تحدثت عن ذلك، وحسن فهمها، واستخراج عبرها ودلالاتها.
كبت الكفار سنة ربانية:
واللطيف في التعبير القرآني أن فعل (كبت) لم يرد في القرآن إلا ثلاث مرات، مرتين منهما في هذه الآية، في صيغة الفعل الماضي: (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).
والمرة الثالثة ورد فيها في صيغة الفعل المضارع، وذلك في قوله تعالى: (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ) [آل عمران: 127].
والكلام في الآية عن الكفار المشركين في بدر، ما أوقع الله بهم من الهزيمة، حيث قضى على عدد منهم، وبذلك قطع طرفهم، وكبت آخرين منهم، وهزمهم وأذلهم، فعادوا إلى مكة خائبين خاسرين.
وفي هذا دلالة على أن الكبت في القرآن لم يرد إلا في سياق المواجهة بين المسلمين والكافرين، ويدل على كبت الكافرين وهزيمتهم وذلهم وإهانتهم.
ويؤخذ من الآية سنة ربانية مطّردة، وهي: كبت وإذلال وإهانة وهزيمة كل الكافرين المعادين، الذين اعتمدوا على قوتهم وقدراتهم، فحادوا الله ورسوله وأولياءه، ولكن قوتهم صارت ضعفاً، وقدرتهم صارت عجزاً.
وفي الآية وعد قرآني صادق، تحقق ووقع في حياة المسلمين، وسجّل التاريخ الإسلامي أمثلة ونماذج عديدة لكفار معادين، حادوا الله ورسوله، وشنّوا الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين، وظنوا أنهم سوف ينجحون في تحقيق أهدافهم، ولكن الله قصمَهم وكبتهم، وهزمهم وأذلهم.
ونستبشر من الآية كبت وإهانة وإذلال اليهود والأمريكان، وغيرهم من الكفار المعاصرين، الذين يشنون حربهم الشيطانية الشرسة ضد الإسلام والمسلمين!!.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات