تابــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة المجادلة
حزب الشيطان خاسرون:
ثانياً: قوله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 19-22].
تتحدث الآيات عن الكفار الذين يحادون الله ورسوله، على اختلاف الزمان والمكان، وتقدم لهم بعض التحليلات، وتذكر بعض الحقائق والوعود، ثم تعرض بعض صفات المؤمنين الغالبين.
تذكر الآيات أن الشيطان (اسْتَحْوَذَ) على أوليائه. أي: سيطر واستولى عليهم، وتمكّن منهم، وأخذهم إلى جانبه، وجعلهم جنوداً له. ولما تمكن منهم أنساهم ذكر الله، وأشغلهم بذكره هو. وبذلك صاروا أعضاء فاعلين في (حزب الشيطان). وحزب الشيطان هم جنوده وأولياؤه، الذين يخضعون له، ويَنشرون تعاليمه، ويُضلون الآخرين.
وحزب الشيطان هم الخاسرون، وخسارتهم مطلقة عامة، وشاملة للدنيا والآخرة، وهذه حقيقة قرآنية قاطعة، مؤكدة في الآية بعدة مؤكدات: حرف الاستفتاح (أَلَا). وحرف التوكيد (إِنَّ).. وضمير الفصل للتوكيد: (هُمُ). واسم الفاعل المعرف بأل التعريف: (الْخَاسِرُونَ).. والجملة الاسمية الدالة على التوكيد: (حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
وحزب الشيطان الخاسرون الكافرون ارتكبوا جريمة فظيعة، حيث حادّوا الله ورسوله، وحاربوا دينه، وعادوا أولياءه، وبذلوا كل جهدهم، وطاقتهم وقدرتهم في حرب الإسلام والقضاء عليه. لكن هل ينجحون في ذلك؟.
الكفار أذلون مهزومون:
تقدم الآية وعداً قرآنياً صادقاً في فشلهم وهزيمتهم وهوانهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ).
والأذلّون جمع (أذل)، على وزن (أفعل)، وهو الذي بلغ أدنى درجات الذل والهوان. يقال: ذل فلان فهو ذليل، وإذا ازدادت ذلته قيل: هو أذل!.
الأذلون هم حزب الشيطان الخاسرون، المحادون لله ورسوله.
وقال: (أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ)، ولم يقل: أولئك هم الأذلون، لأن حرف الجر (في) يدل على الظرف، أي: صار أولئك المحادون في الأذلين، وتغلغلوا فيهم، وضاعوا وسطهم، وذابوا بينهم.
ومفرد (الأذلين) هو: الأذل، وهو من تمكنت منه الذلة والمسكنة والهوان، والأذل هو كل كافر يحاد الله ورسوله.
الجمع بين كبت الكفار وذلهم:
ويلاحظ أن سورة المجادلة تحدثت مرتين عن ذل وكبت الذين يحادون الله ورسوله:
قالت في المرة الأولى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
وقالت في المرة الثانية: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ).
وليس هذا تكراراً، لأنه لا تكرار في القرآن، وإنما هو (تنويع) في العرض القرآني، والتنويع قائم على إضافة معنى جديد في المرة الثانية.
في الآية الأولى إخبار عن كبت الأعداء ككبت الذين من قبلهم. وفي الآية الثانية إخبار عن كون هؤلاء الأعداء في الأذلين.
والفرق واضح بين الآيتين، فهدف الآية الأولى الإخبار عن أنفس المحادّين لله ورسوله. فأنفسهم مكبوتة مهانة مهزومة تعيسة بائسة محطمة.. أما هدف الآية الثانية فهو الإخبار عن المحيط العام الذي يعيش فيه هؤلاء المكبوتون، إن من حولهم أذلون خاسرون مهزومون، وهؤلاء المكبوتون في المحيط العام للأذلين.. هم مكبوتون، ومَنْ حولهم أذلون!.
فالآية الأولى إخبار عن أنفس المحادين لله ورسوله، والآية الثانية إخبار عن من حول المحادين، فصار المجموع هكذا: المكبوتون في الأذلين، والصنفان من حزب الشيطان الخاسرين.
وهذا وعد قرآني متحقق دائماً، وقد سجل التاريخ أمثلة عديدة لإذلال وخسران وهزيمة حزب الشيطان، ولا يتخلف عن هذا الوعد القرآني أية أمة كافرة، في أي زمان ومكان، في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات