السؤال
عند الترمذي في باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه أيقاد أم لا؟ يذكر متن الحديث: "حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد الأب من ابنه ولا يقيد الابن من أبيه". ويضعف إسناده ثم يقول: "والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الأب إذا قتل ابنه لا يقاد". فهل يعني بقوله: "العمل على هذا" أي مثل نص الحديث فكلامه يقتضي خلافه حينئذ أم يعني العمل على خلاف الحديث؟ حتى ظننت أنه خطأ مطبعي وليس عندي نسخ خطية لاتأكد من ذلك، إلا أن النووي في شرحه عليه لا يشير إلى هذا والله أعلم . بينوا لنا الصواب فيما ترون مأجورين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأحاديث لا يقتل الوالد أو لا يقاد الوالد بولده، أحاديث قد حكم أهل العلم بالحديث بإعلالها وبأن طرقها منقطعة، لكن أهل العلم على العمل بما دلت عليه.
يقول الإمام الشافعي: حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد، وبذا أقول.
ويقول ابن العربي: وعمر قضى بالدية في قاتل ابنه، ولم ينكر أحد من الصحابة عليه، فأخذ سائر الفقهاء المسألة مسجلة، وقالوا: لا يقتل الولد بولده.
وفي هذا السياق تفهم قول الإمام الترمذي: وهذا الحديث فيه اضطراب، والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأب إذا قتل ابنه لا يقتل به، وإذا قذفه لا يحد، فهذا تصريح منه -رحمه الله- بمراده.
وجماهير الفقهاء الذين يرون أن الوالد لا يقتل بولده، يستدلون بهذه الأحاديث وغيرها كحديث: "أنت ومالك لأبيك" ، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بهذه الإضافة بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص لأنه يدرأ بالشبهات، ولأن الأب سبب إيجاد الولد فلا ينبغي أن يتسبب بإعدامه. انظر المفصل لزيدان 5/348.
والله أعلم.
عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال : سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : " لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ " .
قال الترمذي رحمه الله : " وقد رَوَى هذا الحديث أبو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عن الْحَجَّاجِ بن أَرْطَاةَ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عن عُمَرَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ مُرْسَلًا، وَهَذَا حَدِيثٌ فيه اضْطِرَابٌ، وَالْعَمَلُ على هذا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَبَ إذا قَتَلَ ابْنَهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وإذا قَذَفَ ابْنَهُ لَا يُحَدُّ " .
وجه الاضطراب :
قال الصنعاني رحمه الله : " ووجه الاضطراب : أنه اختُلِفَ على عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فقيل عن : عُمر، وهي رواية الكتاب، وقيل : عن سراقة، وقيل : بلا واسطة، وفيها المثنى بن الصباح وهو ضعيف " ([18]).
قلت : وإسناده ضعيف جداً؛ وعلته : الْحَجَّاجُ بن أَرْطَاةَ
قال البيهقي رحمه الله : " والحجاج غير محتج به "([19])، وقال ابن الملقن رحمه الله : " فَإِن الْحجَّاج بن أَرْطَاة ضَعِيف جدًّا "([20])، وكذا ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقال الذهبي رحمه الله : " وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَ قُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ : " لاَ يُحْتَجُّ بِحَجَّاجٍ "، قُلْتُ : قَدْ يَتَرَخَّصُ التِّرْمِذِيُّ وَيُصحِّحُ لابْنِ أَرْطَاةَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ "([21]) .
وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : " كان من الحفاظ "، قيل : " فلم ليس هو عند الناس بذاك ؟!"، قال : " لأن في حديثه زيادة على حديث الناس ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة "([22]) .
ثم إن حجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه، قال العلائي رحمه الله : " حجاج بن أرطأة أحد المكثرين من التدليس "([23]).
فهو رجل مشهور بالتدليس، وبأنه يُحدث عمن لم يلقه ومن لم يسمع منه .
قال أبو نعيم رحمه الله : " لم يسمع الحجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي " ([24])، وقال عبد الله بن المبارك : " كان الحجاج يُدلس، وكان يُحدثنا الحديث عن عمرو بن شعيب مما يُحدثه العرزمي، والعرزمي متروك لا نُقِرُ به "([25]) .
وتابع الْحَجَّاجِ بن أَرْطَاةَ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ : يحيى بن أبي أنيسة، وعبد الله بن لهيعة، ويعقوب بن عطاء، ومحمد بن عجلان.
أما متابعة مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ :
رواها ابن الجارود في " المنتقى " (1/199 ح 788) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ الرَّازِيُّ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مَنْصُورٍ ـ يَعْنِي : ابْنَ الْمُعْتَمِرِ ـ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ جَارِيَةٌ فَأَصَابَ مِنْهَا ابْنًا فَكَانَ يَسْتَخْدِمُهَا، فَلَمَّا شَبَّ الْغُلامُ دُعِيَ بِهَا يَوْمًا، فَقَالَ : " اصْنَعِي كَذَا وَكَذَا "، فَقَالَ الْغُلامُ : " لا تَأْتِيكَ، حَتَّى مَتَى تَسْتَأْمَرُ أُمِّي ؟! "، قَالَ : فَغَضِبَ أَبُوهُ فَحَذَفَهُ بِسَيْفِهِ فَأَصَابَ رِجْلَهُ أَوْ غَيْرَهَا فَقَطَعَهَا، فَنَزَفَ الْغُلامُ فَمَاتَ، فَانْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ : " يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَنْتَ الَّذِي قَتَلْتَ ابْنَكَ، لَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لا يُقَادُ الأَبُ بِابْنِهِ لَقَتَلْتُكَ "، هَلُمَّ دِيَتَهُ، قَالَ : فَأَتَاهُ بِعِشْرِينَ أَوْ ثَلاثِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ، قَالَ : فَتَخَيَّرَ مِنْهَا مِائَةً فَدَفَعَهَا إِلَى وَرَثَتِهِ وَتَرَكَ أَبَاهُ .
وكذا رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (8/38) بذكر القصة، ورواه الدار قطني في " سننه " (3/140 ح 179)، والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " (6/160) بدونها.
والله أعلم
المفضلات