*** صباح الخير أيها الوطن العظيم ..... !!! ***
يأخذنا الترحال حتى أقاصي الدنيا، نزور بلداناً ونتسكع في عواصم، ونرشف متعة الاكتشاف عن آخرها، ولكن لحظة العودة للأوطان لا تعادلها في الحياة لحظة أخرى. تقترب السيارة تدريجياً من حدود الوطن، للأرض هنا رائحة أخرى، عبق زكي طالع من خصوصية الزمان والمكان، تحلق الطائرة في أجواء الوطن، يعتدل المزاج كما لم يتحقق في مختلف أوقات السفر.
رجال طيبون ملفوحون بشمس الوطن الساطعة، يقابلونك بابتسامة مرحبة، يمنحونك السلام، ويحيطونك بشعور أمن وألفة لا يشبهه شيء، تستشعر الأمان المنشود، ويلمع في خاطرك ارتياح حقيقي نابع من أعماق القلب.
الله ما أحلى كلمة الوطن وأعظم حروفها وأصدق تفاصيلها، رجال يحيكون مفرداتهم بلهجتك المشتاق إليها، اطمئنان عميق يتغلغل حتى أقاصي الروح، إحساس فريد بالألفة، مساحة مفتوحة لأن تدع نفسك على سجيتها، وتصريح مفتوح بأن ترتكب بعض الحماقات فهؤلاء رجالات بلدك، وهؤلاء ناسك وأهلك الطيبون الرائعون. يفهمون نكتتك (على الطاير)، يبتسمون لك ببشاشة صادقة، يدعونك لمأدبة تلقائية غير خاضعة لحسابات الغربة، يشيرون عليك بوجبة بساطة لا خوف فيها ولا وجل، يتلقونك بنبل الرجال الرجال، بشهامة مختلف جهات الوطن الكبير ناسه العظيم بأهله.
تلوح منك كلمات لا تملك إلا أن تنطقها ''لا يضام أحد في وطن عبد الله قائده وهؤلاء الجنود السمر حماته ورجالاته''.
تعجبك العبارة، تعتريك رغبة عارمة بأن تنادي بها أهزوجة، وتنشدها قصيدة ولاء لا يموت ولا تهزه الأيام ''لا يضام أحد في وطن عبد الله قائده وهؤلاء الجنود السمر حماته ورجالاته''.
تتساءل مستغرباً؛ كيف يتأتى لأحد أن يغيب عن الوطن سنوات من عمره؟ وكم في العمر من تلك السنين لنقضي كل هذا العدد منها بعيداً عن سمرة أرض أجدادنا وحرارة الناس الطيبين؟ لعلها لقمة العيش المرَّة والمغموسة بطعم الوجع وعرق التعب، تجيب على سؤالك محاولاً إيجاد تبرير لتلك الغربة القاسية، فهؤلاء المغتربون أولادنا وفلذات أكبادنا، وهؤلاء آباؤنا وأشقاؤنا، وهؤلاء ناسنا وأهلنا المتشوقون أكثر منا للحظة عناق متيمة لتراب الأردن المقدس والمبارك والمجدول بزنود لا تعرف الكلل ولا يطال إيمانها الملل.
تنهيدة من الأعماق تختزن ما لا يمكن أن يقال، نَفَسٌ عميق عند حدود الوطن العظيم المنحوت في الصخر والمرشوم بالأشواق والطالع من كلمة طيبة عرضها السماوات والأرض، نَفَسٌ يستعيد بعض الروح ويدوزن الفؤاد.
تتملكك رغبة لا فكاك منها بأن تتجاذب أطراف الحديث مع الجندي المرابط على حدود الوطن العزيز والساكن داخل أعماق حبة الفؤاد، أن تسأله عن أخبار الأهل وأن تطمئن على صحته ومختلف أحواله، أن تشبك يديك في يديه وتفجر الأرض (أرضك) بدبكة صاخبة بالندى وهادرة بالحنين.
يخطر على بالك أن تسجد وتقبل تربة بلدك، فيما دمعة فرح ساخنة تتراقص في حدقتي عيونك، تدندن بصوتك المعبأ بشوق لا يموت ''صباح الخير يا عمان يا حنه على حنه'' ويمتد الصباح ويجوب مختلف جهات الوطن؛ الكرك ومعان والطفيلة ومادبا والسلط وطريقها الجميل والزرقاء وإربد وجرش وعجلون والرمثا والمفرق والعقبة والفحيص وماحص والوادي الأخضر وواحة الأزرق ويمضي أبعد وأبعد بما لا يطيقه وصف ولا يحتويه كلام.
المصدر
جريدة الراي الأردنية
د.سلوى عمارين
المفضلات