يمكن الملاحظة بسهولة أن عدد الشركات الناشئة الناجحة التي بدأت من الأردن أكبر من مثيلتها التي بدأت في دول عربية أخرى، كما أن قصص النجاح بدأت تتكرر في الأردن -خاصة في مجال الإنترنت- أكثر من أي دولة عربية أخرى. فهل رواد الأعمال الأردنيون أفضل من أقرانهم العرب؟
يحب رواد الأعمال الأردنيين أن يروا أنفسهم أفضل من أقرانهم العرب، وهي ”شائعة“ بدأ باقي العرب في تصديقها. لكني رأيت من خلال زيارتين قصيرتين إلى عَمان ما يكفي لكي أقول بأن الشباب الأردني لا يتميز بأي مؤهلات تفوق أقرانهم العرب. فلماذا إذن تفشل مشاريع رواد الأعمال العرب أكثر مما تنجح مشاريع رواد الأعمال في الأردن؟
سؤال مماثل لهذا طرحه الريادي والمستثمر بول جراهام، حين رأى عدم التناسق بين نسبة عدد الشركات الناشئة في الولايات الأمريكية وعدد السكان في كل ولاية، بجانب تركز نجاح الشركات الناجحة في وادي السيليكون. سؤاله كان: لماذا تفشل الشركات الناشئة في أغلب الأماكن؟ لكنه لم ينتبه إلا مؤخرا إلى أن صيغة السؤال خاطئة. السؤال الحقيقي هو: ما الذي يحمي أغلب الشركات الناشئة من الفشل في وادي السيليكون؟
يقول بول جراهام بأن الفشل (والموت) شيء طبيعي في الشركات الناشئة. لذلك فإن المشكلة ليست في أن أغلب المدن تتسبب في قتل المشاريع الناشئة. المشكلة هي أن الشركات الناشئة تولد بطبيعتها وهي هشة مريضة قابلة للموت في أي لحظة. لكن القليل من المدن توفر لتلك الشركات الترياق الذي يحميها من الموت. فما الذي تقوم به تحديدا أماكن مثل وادي السليكون في أمريكا وعَمان في الأردن لحماية الشركات من الفشل والموت؟
ما تقوم به تلك الأماكن شيئين: هي أولا تجعل من عملية تأسيس الشركات الناشئة أمرا مألوفا ورائعا، وثانيا تتيح الفرصة لرواد الأعمال للقاء من يمكن أن يساعدهم.
يعتبر الانقطاع عن الدراسة أو الاستقالة من الوظيفة، لأجل تأسيس شركة ناشئة، ضربا من الجنون في أغلب الدول العربية، لكنه ليس كذلك في الأردن. أن تستغرق كل وقتك في بناء شركتك الناشئة -التي لن تدر عليك الربح قبل شهور وربما سنوات- يجعلك مجرد شخص آخر عاطل عن العمل، في نظر أقرانك في أغلب الدول العربية. لكن الوضع مختلف -ولو نسبيا- في عمَان.
هذه نقطة مهمة تساعد الشباب على المبادرة بإنشاء أعمالهم الناشئة. فلو كنت في وسط لا يحترم ريادة الأعمال فإنك غالبا ستحجم عن المبادرة كما سيحجم غيرك عن ذلك ولن يتغير الأمر أبدا. لكنك لو كنت في وسط يحترم ويقدر ريادة الأعمال ستبادر سريعا بدورك لإنشاء شركتك كما سيبادر آخرون، وسيؤدي ذلك إلى تحسن منظومة ريادة الأعمال واستفادة كل الأطراف معا.
النقطة الثانية التي بفضلها تساعد بعض الأماكن الشركات الناشئة على الحياة، هي توفير الفرصة للقاء أشخاص آخرين لهم نفس الاهتمام بالشركات الناشئة، مثل رواد الأعمال، المرشدين والمستثمرين.
تأسيس الشركات الناشئة ليست بالعمل الهين أبدا. فأنت تبتكر وتدخل مجالا جديدا تماما عليك، ستواجه الكثير من الصعوبات والمشاكل وستحتاج إلى من سيساعدك. فمن أين ستأتي به؟ إذا لم تجد من سيساعدك فإنك على الأرجح ستصل إلى النهاية المتوقعة: الفشل. لكنك لو كنت محظوظا بالتواجد في أماكن مثل وادي السليكون أو عَمان ستجد أنه من السهل لقاء من يمكن أن يساعدك، حتى دون أن تطلب. إذ من السهل أن تلقى مستثمرا ما أو مبادرا آخر سبقك بأعوام من الخبرة في أي مكان قد تذهب إليه؛ مقهى مثلا، مطعم أو سوق، أو حتى أثناء تمشيتك في الشارع.
بفضل نجاحات سابقة لشركات ناشئة في الأردن، فإن الحكومة الأردنية انتبهت لإمكانيات ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا فبدأت في دعم القطاع. هذا أيضا ساعد منظومة ريادة الأعمال في الأردن بالتشكل، وساعد في نشر فكرة أن المبادرة بتأسيس الأعمال الناشئة شيء طبيعي، فبدأ عدد الشركات الناشئة يتزايد مما عزز من قدرة الأردن -بالضبط عَمان- على تكوين ترياق حماية تلك الشركات من الموت.
المسألة إذن ليست أن الشباب الأردني أفضل من غيره -نفس الحقيقة تنطبق على الأمريكيين، هم ليسوا أفضل من غيرهم- بل الفضل في نجاح الشركات الناشئة التي تتأسس في عَمان يعود إلى وجود منظومة صلبة لريادة الأعمال تجعل من تأسيس الشركات الناشئة أمرا عاديا، وتوفر لرواد الأعمال الجدد الفرصة للدعم، الإرشاد والتمويل.
خلال السنوات القليلة القادمة لن تبقى عَمان لوحدها مركزا للشركات العربية الناشئة الناجحة، فستظهر مدن أخرى تدلي بدلوها، فالآن نلاحظ بداية تشكل لمنظومة ريادة الأعمال في كل من بيروت والإسكندرية بفضل عودة أبناء المدينتين من المهجر برغبة تسكنهم في تقديم شيء جديد لمسقط رؤوسهم، وإلى حد ما ثمة حراك آخر في السعودية تقوده الحكومة وبعض الشركات الخاصة لدعم ريادة الأعمال، نأمل أن يأتي بأكله سريعا وتتحرك باقي المدن العربية كذلك بدورها.
نقلا عن مدونة محمد الساحلي
المفضلات