موريتانيا آخر معاقل الجَمال الثقيل
لم أذهب لموريتانيا في حياتي ولكننا - في المدينة المنورة - نملك جالية موريتانية كبيرة ما تزال تحتفظ
بزيها الوطني وعاداتها الخاصة.. وبناء عليه أستطيع القول ان المجتمع الموريتاني هو الوحيد - في العالم - الذي تنقلب فيه معايير الجمال رأسا على عقب.. فجميع الأمم تنظر للنحافة والرشاقة كعامل جمال في المرأة - وترى في بروز عضلات الرجل عامل جذب ووسامة.. أما في موريتانيا فيحدث العكس تماما حيث تعد السمنة والبدانة من عناصر الجمال في المرأة - والنحافة وبروز ضلوع الصدر من عناصر الجاذبية في الرجل !!!
وبدانة المرأة في موريتانيا لا تعد عنصرا جماليا فقط بل ومظهرا لتباهي العائلة وإظهار مدى الثراء الذي تعيش فيه. وهذه النظرة المختلفة للجمال تفسر بعض العادات و"الإجراءات الخاصة" الشائعة في المجتمع الموريتاني لتسمين الفتاة وضمان بدانتها منذ سن مبكرة.. فالفتيات الموريتانيات يجبرن منذ طفولتهن على تناول كميات كبيرة من السمن والزبد وشرب خمس غالونات من حليب النياق الدسم. كما يعفين من الواجبات المنزلية والأعمال الشاقة ويجبرن على البقاء معظم الوقت في وضع منبطح لتكبير الردفين وأسفل الظهر (... بل سمعت بمرورهن بعمليات لي قاسية للفقرات السفلية تجريها امرأة متخصصة) !!
ولأن الأمر يتعلق بسمعة العائلة يتولى الذكور عن طيب خاطر تنفيذ الأعمال المنزلية والرعي وجلب المياه وكافة المهام التي تضمن بقاء الفتاة ساكنة (وهو ما يساهم في المقابل في بقاء الرجال جلد على عظم).. والأغرب من هذا اشتراك الأشقاء والأقارب في مهمة "المراقبة" بحيث يسارع الرجال لمنع الفتيات الصغيرات من بذل أي مجهود من شأنه إحراق السعرات الحرارية الثمينة.. وحين يكبرن ويصبحن بطيئات الحركة يتساعد الأشقاء وأبناء العمومة على رفع النساء الثقيلات على ظهور الجمال - مع رفع الصوت ب "ماشاء الله تبارك الله" !!.
ورغم تفرد موريتانيا بهذه النظرة الجمالية إلا أنها (بالمقاييس التاريخية) لا تعد فريدة أو نادرة ؛ فارتباط النحافة بالجمال (حالة طارئة) لم تكن محمودة أو مشهورة حتى مائتي عام مضت ؛ فالنساء السمينات كن الأكثر جمالا وإغراء فى نظر الأوروبيين حتى القرن السابع عشر.. وكانت الجواري في قصور العباسيين والعثمانيين لا هم لهن غير ازدراد كميات كبيرة من الطعام لنيل رضا الحاكم.. وحتى وقت قريب كان مهر المرأة في بادية الشام يحدده وزنها وقطر الحبل الذى يلف حول عضدها (... وصدق أو لاتصدق كان العرب فى العصور القديمة يفضلون الحبشيات السوداوات البدينات على الروميات البيضاوات ذوات القد المياس)!!.
.. غير أن الحال تغير هذه الأيام وأصبحت النحافة والرشاقة هى النموذج الشائع للجمال (لدرجة تحول العارضات الشهيرات إلى مجرد شماعات للملابس).. وهذا التغير يثبت أن مقاييس الجمال ليست سوى (نموذج) يتربى عليه الإنسان بحسب السائد فى عصره والشائع فى ثقافته. فالنموذج الحالي للجمال (كما يتضح من مسابقات الجمال وعروض الأزياء) يعتمد على وجود فتاة بيضاء نحيفة قوقازية الملامح - في حين تراجع نموذج المرأة السمراء البدينة للصفوف الخلفية.. وغني عن القول أننا نحن العرب هجرنا معاييرنا الخاصة وتبنينا مقاييس الجمال الغربيه كنموذج وحيد للحسن والجمال (في حين لم يكن عنترة ليدفع فيهن نصف ريال)...
وبفضل الأفلام وعروض الأزياء (والقنوات المهضومة) لم يعد الجيل الجديد يتصور وجود نماذج مغايرة للجمال تعتمد على السمنة "والبطبطة" في مواضع معينة من الجسم - وفي المقابل لا يفهم الموريتانيون سر تعلقنا بالنواشف... !
المفضلات