بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
[ اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ]
هذا من من الآثارِ الجليلة الَّتي يُسْتَأْنَسُ بها
فابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ منْ أَجِلاَّءِ الصَّحابةِ ، أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ ، وَنَفَعَ اللهُ بِعِلْمِهِ
وَزَكَّاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ وقالَ : (( كُنَيِّفٌ مُلِئَ عِلْمًا ))
وَأَرْسَلَهُ إلى العراقِ ، وكانَ لهُ تَلاَمِذَةٌ في الكوفةِ يَأْخُذُونَ بِرَأْيِهِ ، وَحَفِظُوا عنهُ عِلْمًا جَمًّا .
تُوُفِّيَ سنةَ (32هـ) في خلافةِ عثمانَ .
قولُهُ : ( اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا ؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ )
اتَّبِعُوا مَنْ قَبْلَكُم ؛ يُخَاطِبُ تَلاَمِذَتَهُ ، وَتَلاَمِذَتُهُ لم يَكُونُوا من الصَّحابةِ
ولمْ يُدْرِكُوا زَمَنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإمَّا أنَّهُم منْ مُسْلِمَةِ العراقِ الَّذينَ ما أَسْلَمُوا إلاَّ في خلافةِ عُمَرَ ، أوْ في خلافةِ عُثْمَانَ ، أوْ من المُهَاجِرِينَ منْ أهلِ اليَمَنِ وَنَحْوِهِم
فهوَ يُوصِي أولئكَ فيقولُ : اتَّبِعُوا صحابةَ نَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْتَدُوا بهم ، ولا تُحْدِثُوا في الدِّينِ ما لمْ يَأْذَنْ بهِ اللهُ تعالى ولا تُشَرِّعُوا ما لمْ يَكُنْ في الشَّريعةِ
ولا تَكُونُوا مِن الَّذينَ قالَ اللهُ فيهم : { شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ } [الشُّورَى:21]
فإنَّ اللهَ تَعَالَى أَكْمَلَ الدِّينَ على لسانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلاَ حَاجَةَ إلى بِدَعٍ تُضَافُ إلى هذهِ الشَّريعةِ .
( فقدْ كُفِيتُمْ ) : يَعْنِي : كَفَاكُم مَنْ قَبْلَكُم حَيْثُ حَمَلُوا الشَّريعةَ وَبَيَّنُوهَا ، وَبَيَّنُوا لكُمْ ما تَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ، وما تَعْتَقِدُونَهُ بِقُلُوبِكُم ، وما تَعْمَلُونَهُ بِأَبْدَانِكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بالعباداتِ والمُعَامَلاَتِ ، وفيما يَتَعَلَّقُ بِالأَخْبَارِ والنُّقولِ ، وفي ذلكَ كفايَةٌ .
وفي الأثرِ الآخَرِ أنَّهُ قالَ عنه أيضا :
( مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ ؛ فَإِنَّ الْحَيَّ لاَ تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَبرُّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا ، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُم اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ، وَلِحَمْلِ دِينِهِ ، فَاعْرَفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ ؛ فَإِنَّهم كَانُوا على الْهُدَى المُسْتَقِيمِ ) .
تَزْكِيَةٌ منهُ رَضِيَ اللهُ عنهُ للصَّحابةِ ، وَأَمْرٌ لِمَنْ بَعْدَهُم أنْ يَقْتَدِيَ بهم ، وأنْ لا يَبْتَدِعَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَكَأنَّهُ اسْتَشْعَرَ أنَّ هناكَ مَنْ سَوْفَ يَقُومُ بِبِدَعٍ .
وقدْ نَقَلَ هوَ أَيْضًا تَحْذِيرًا عنْ بعضِ البِدَعِ كَبِدْعَةِ الخوارجِ ، فإنَّهُ رَوَى بعضَ الأحاديثِ الَّتي فِيهِم ، معَ كَوْنِهِ مَاتَ قبلَ أنْ يَخْرُجُوا .
ولا شَكَّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بكثرةِ البِدَعِ وبِكَثْرَةِ الاختلافاتِ ، فَفِي حديثِ العِرْبَاضِ الَّذي ذَكَرْنَا يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا "
يَعْنِي : مَنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا
وقدْ وَقَعَ هذا الاختلافُ ، أوَّلُهُ خِلاَفُهُم على عُثْمَانَ حتَّى قَتَلُوهُ ، ثمَّ خِلاَفُهُم فيما بَيْنَهُم حتَّى حَصَلَت المَعَارِكُ ، ثمَّ خُرُوجُ الخوارجِ وَقِتَالُهُم مَنْ لَقُوهُ من المسلمينَ ، ثمَّ بَعْدَ ذلكَ خُرُوجُ القَدَرِيَّةِ ، وخُرُوجُ الرَّافضةِ ، وهكذا البِدَعُ الَّتي خَرَجَتْ .
فابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ : اتَّبِعُوا مَنْ قَبْلَكُمْ وَلاَ تَبْتَدِعُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِكُم - يَعْنِي في الشَّريعةِ - وَتَتَعَبَّدُوا بِالْبِدَعِ ؛ فقدْ كُفِيتُمْ ؛ أيْ :
قدْ وَضَحَت الشَّريعةُ لكم ؛ فَاقْتَصِرُوا عليها .
منقول
والحمد لله رب العالمين
المفضلات