بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قال رسول الله في صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب : ( لا يسترقون ) وفي بعض روايات مسلم : ( لا يرقون ) ولكن هذه الراوية خطأ ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأن الرسول كان يرقي ، ورقاه جبريل ، وعائشة ، وكذلك فعل الصحابة كانوا يرقون . ومعنى لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم ؛ لما يلي : لقوة اعتمادهم على الله ـ لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله ـ ولما في ذلك من التعلق بغير الله .
أخبر النبي أن صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ) فهل طلب العلاج يدخل من ضمنها ؟
الظاهر أنه مثله لأنه عام ، وقد يقال : أنه لولا قوله : ( ولا يسترقون ) ؛ لقلت : أنه لا يدخل ؛ لأن الاكتواء ضرر محقق : إحراق بالنار ، وألم للإنسان ، ونفعه مرتجى ، لكن كلمة ( يسترقون ) مشكلة ؛ فالرقية ليس فيها ضرر ، إن لم تنفع لم تضر ، وهنا نقول : الدواء مثلها ؛ لأن الدواء إذا لم ينفع لم يضر ، وقد يضر أيضاً ؛ لأن الإنسان إذا تناول دواء وليس فيه مرض لهذا الدواء فقد يضره . وهذه المسألة تحتاج إلى بحث ، وهل نقول مثلاً : ما تؤكد منفعته إذا لم يكن في الإنسان إذلال لنفسه ؛ فهو لا يضر ، أي : لا يفوت المرء الكمال به ، مثل الكسر وقطع العضو مثلاً ، أو كما يفعل الناس الآن في الزائدة وغيرها .
ولو قال قائل بالاقتصار على ما في هذا الحديث ، وهو أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وأن ما عدا ذلك لا يمنع من دخول الحنة بلا حساب ولا عذاب ؛ للنصوص الواردة بالأمر بالتداوي والثناء على بعض الأدوية ؛ كالعسل والحبة السوداء ؛ لكان له وجه .
الإنسان إذا أتاه من يرقيه ولم يمنعه ؛ فإنه لا ينافي قوله : ( ولا يسترقون ) ؛ لأن هناك ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى : أن يطلب من يرقيه ، وهذا قد فاته الكمال .
المرتبة الثانية : أن لايمنع من يرقيه ، وهذا لم يفته الكمال ؛ لأنه لم يسترق ولم يطلب .
المرتبة الثالثة : أن يمنع من يرقيه ، وهذا خلاف السنة فإن النبي لم يمنع عائشة أن ترقيه ، وكذلك الصحابة لم يمنعوا أحداً أن يرقيهم ؛ لأن هذا لا يؤثر في التوكل .
فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب التوحيد
والحمد لله رب العالمين
المفضلات