رمضان أحمد جربوع
دون شك المجلس الانتقالي له صلاحيات التصرف والمبادرة بإجراءات تشريعية وتنفيذية وإدارية وعسكرية ومالية وكل ما تستلزمه مسيرة الثورة وتحرير البلاد، الصلاحية نابعة من شرعية ارتضائية عبر عنها شباب الثورة وجموع الشعب والمجالس المحلية وبيانات الانضواء من كافة رقاع الوطن تقريبا، ولم يخرج صوت يعارض، اللهم بعض الآراء التي كانت تطالب بديمقراطية وانتخابات، فحوى هذه الآراء صحيح وله سند ولكن غاب عن القائلين بها أن الوضع وحرب الإبادة التي يشنها القذافي على شعب ليبيا لم تكن تسمح بانتخابات وتعداد سكاني وتقسيم دوائر، إذن فهي شرعية استثنائية تنضبط باتخاذ ما يلزم بحدود المصلحة وعدم التعدي على حقوق المواطن الأساسية التي يطمح إليها والتي كانت الدافع الرئيس لاندلاع الثورة. كذلك لم يكن هنالك بد من قيام "جسم" يمثل الدولة المنشودة ويجسد الثورة كمحاور مع المجتمع الدولي والقيام بما يلزم لإحكام السيطرة على البلاد والتخلص من عصابة السطو المسلح التي قبضت على رقابنا طوال أربعة عقود. وإعادة بناء الدولة لكي تصبح دولة قانون كما كنا دوما نحلم.
الحكومة القائمة سلفا كانت مركزية إلى أبعد الحدود يمسك بكل خيوطها ثلة من الأزلام معظمهم من السرّاق ومن غير ذوي الكفاءة وعندما انهارت قوات القائد الهارب بالمنطقة الشرقية عانينا من غياب الهيكلية الإدارية والسيولة المالية والوقود إلى غير ذلك، ومع ذلك قام المجلس الانتقالي بمجهودات جبارة تكللت بالنجاح واعترف بنا العالم واستطعنا إيصال صوتنا وقضيتنا ومطالبنا إلى العالم أجمع الذي تعاطف معنا وساندنا.
بطبيعة الحال يرجع الفضل في كل ذلك لله أولا ولشباب الثورة الذين يغذونها، وما زالوا، بدمائهم وأرواحهم، ثم إلى المجلس الوطني والكتائب التطوعية وكل من له قلب وأريحية في وطننا، كل ذلك لا يلزمنا بإطلاق صفة الكمال على المجلس وكل من يتقدم بصفة المنضم للثورة، هم جميعا من البشر والبشر في نهاية الأمر يصيبون ويخطؤون. المحصلة دون شك إيجابية وتستحق الإشادة، ولكن من واجبنا التنبيه على ما قد يكون وقع أو قد يقع من هفوات وتجاوزات:
التصرف في الأموال في حدود المعقول الضروري واللازم لضمان المستلزمات الحياتية من طعام وشراب وطاقة وعناية طبية وعموما كل ما يلزم لساحة المعارك، ولكن يجب الابتعاد بالكامل عن تحميل الدولة الناشئة بتكاليف عقود تنموية ضخمة أو حتى لمجرد إعادة البناء (فيما عدا ما تحتمه الضرورة القصوى) نحن نعلم أنها ستصل إلى المليارات، والسبب أن مثل هذا الإنفاق يجب أن يحظى بدراسة وموافقة مجلس أمة (بغرفتين، شيوخ ونواب) منتخب ويكون معبرا عن إرادة الشعب، وهذا المجلس هو الضروري واللازم أيضا لأنه هو الذي سيكون من توابعه الهيئة العامة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد (التي لا يجب أن تكون تابعة لحكومة أيا كانت صفة تشكليها) وهذه الهيئة بدورها تستلزم إصلاح القضاء والنيابة ووضع الضوابط الجديدة لديوان المحاسبة، فلا عجالة إذن، الإنفاق في المرحلة الانتقالية يجب أن ينحصر في الضروري اليومي لا غير.
على سبيل المثال نشير إلى أننا كنا نتمنى أن لا تحدث الزيادة الضخمة في المرتبات الآن – والتي هي ترسيخ لما قامت به حكومة القذافي أصلا قبيل سقوطها، والاكتفاء بالتعديل التدريجي لسعر صرف الدينار مقابل الدولار حيث أن الفائدة المتمثلة في تخفيض كلفة المعيشة ستتحقق دون تحميل الخزانة مبالغ ضخمة جدا دون موافقة برلمان منتخب يتحمل وزره. والرأي كان مخافة أن تتولد حالة تضخم وارتفاع أسعار وعدم عدالة في الدخول ما بين صاحب المرتب والعامل لحساب نفسه.
السياسات العامة للدولة يجب الابتعاد عن رسمها الآن، أمرها يجب أن يترك لحكومة منتخبة نابعة من برلمان تستطيع التوصل إلى توافق يعتني بكل ما يتعلق بدولة ليبيا وخططها وتوجهاتها ومواقفها سواء في القضايا الدولية
الفكرة أساسا تتعلق بمبدأ المساءلة التي لم نكن نمتلكها، نقبل بكل ما قام به المجلس الانتقالي في سبيل انتصار الثورة ولكن ما يتعلق بالمستقبل وتحميل الدولة أعباء ثقيلة دون التوافق في مجلس منتخب قد يكون من الأجدى إعادة النظر فيه طالما الفرصة سانحة، كذلك على الحكومة القادمة أن تأخذ ذلك في حسبانها حيث أنها هي أيضا ستكون انتقالية ومهمتها تنحصر في وضع الدستور والتعداد السكاني وإعداد الدوائر الانتخابية ثم إجراء الانتخابات التي ستشكل الحكومة الممثلة للشعب، ولهذا حديث آخر، فمهلا يا سادة مهلا ورفقا بما تبقى لنا من مخزون نفطي !! الدافع الرئيس لما سلف هو قطع الطريق على الفساد، والفساد يا سادة هم مهلك الدول والحقوق والأخلاق، شئنا أم أبينا.
المفضلات