احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: التأويل الفريد في عقيدة المريد [ سورة البينة ]

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2011
    العمر
    54
    المشاركات
    408
    معدل تقييم المستوى
    101898

    التأويل الفريد في عقيدة المريد [ سورة البينة ]

    التأويل الفريد في عقيدة المريد [ سورة البينة ]

    إن من آيات فضل الله العظيم على عباده أن أرسل فيهم الرسل و على وجه الخصوص الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة و السلام ...
    في مطلع هذه السورة يبن لنا الله عز وجل عميم فضله وعظيم إحسانه على المشركين من عرب الحجاز بأن أرسل لهم ذلك النبي الأمي الطاهر الزكي صلى الله عليه وآله وسلم ...
    ويشمل الأمر الذين كفروا من أهل الكتاب وانحرفوا عن تعاليم كتبهم السماوية و حرفوا مكنونها ومضمونها بما يتوافق مع أهوائهم المعاشية و السلطوية ومصالحهم الدنيوية ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( َوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) [البقرة : 79] ...
    فالإنسان الذي لا يجد له وسيلة هداية وإرشاد ، يضيع في جهله ويغالي في ضلاله لأن النفس دون نور تظلم و تتبع صاحبها هواها ، فيصبح قائدها وسيدها الشيطان ؟؟؟ !!! ...
    و الرسول لا يشترط به أن يكون نبياً بل وارثاً لنبي أيضاً ...
    فكما ورد في صحيح سنن "أبو داود " قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( العلماء ورثة الأنبياء ، فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر ) ، رواه أيضاً الترمذي و ابن ماجه في صحيح السنن ، وابن حبان في الصحيح ...
    وفي آثار المتن الصحيح الذي له شواهده بالصحيح المسند قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ) ، رواه ابن الغزي في "إتقان ما يحسن " وقال : له شواهده ...
    فالعالم الرباني وريث مقام النبوة و العلم الشريف و الأمر سيان مع من هو أدنا منه من ولي صالح وفقيه متحقق وعالم عامل ...
    أما من لم يكن له إمام من هؤلاء الأئمة فشأنه الضلال و ميتة الجاهلية ..
    يقول صلى الله عليه وسلم : ( من مات بغير إمام فقد مات ميتة جاهلية ، ومن نزع يده من طاعة , جاء يوم القيامة لا حجة له ) ، رواه أحمد في "مسنده"، و أبو نعيم في "الحلية" ، وقال : صحيح ثابت ، و الوادعي في "الصحيح المسند" ، وقال : حسن حتى لفظ ( ميتة الجاهلية ) ...
    وينطبق الأمر مع الالتزام مع الجماعة المؤمنة ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتة جاهلية . ومن قاتل تحت راية عميه ، يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل ، فقتلة جاهلية . ومن خرج على أمتي ، يضرب برها وفاجرها . ولا يتحاش من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ولست منه . وفي رواية : لا يتحاشى من مؤمنها ) ، رواه مسلم في الصحيح ...
    ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ستكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة، أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد كائنا من كان فاقتلوه ؛ فإن يد الله مع الجماعة، و إن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض ) ، رواه السيوطي في "الجامع الصغير" ، وقال : صحيح ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" ...
    ومن مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين و المهديين ، يبين الحق على جلائه ، ويدعو إلى سبيل الله على بصيرة ؟؟ ! ..
    فلو لا رحمة الله بأن أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن خلفه بالحق لما ارتقى حال العرب من حال البغضاء و النزاع و التخلف إلى مقام الصدق و عظم العلم وسيادة العالم ، ولما تداعت وهزمت أمامهم أقوى قوى العالم قاطبة في ذلك الأوان ؟؟؟ !! ...
    إن لمن العجب العجاب أن يعلن الصديق الأكبر رضي الله عنه وأرضاه ، الحرب على قطبي الأرض في ذلك الزمان الفرس و الروم وهما القوى العظمى اللتان ملكا المشرق والمغرب ...
    بل وقاتل المرتدين وهم أكثر العرب وأعادهم إلى الصواب ، وأطفأ فتن أدعاء النبوة كمسيلمة الكذاب ومن ماثله ...
    أكان الصديق يفعل ذلك لولا ما بثه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعون الله وصدق الصديق ، من جليل ثقة الإيمان وعظيم التقوى ومحاسن الأخلاق السامية ، والحكمة الربانية السديدة ...
    وكيف كان لفاروق الأمة و الخليفة الثاني رضي الله عنه وأرضاه ، أن يوطد العدل والاستقرار في تسعة عشر دولة وهو لا يزال يحارب فلول الروم و الفرس ويتوقى حدوث الفتن ...
    أكان للفاروق عمر رضي الله عنه أن يفعل ذلك ، لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي أوقد بعون الله وقدرته وصدق الفاروق شعلة الإيمان في قلب عبقري الأمة عمر بن الخطاب وإله العدل كما يسميه نصارى الروم في أوربا ؟؟؟ !!! ...
    كان شيخي يقول إني لأسجد لمقام سيدي الفاروق عمر لأنه مقام الكمال ...
    ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ربى الحلم و الحكمة و الحياء في قلب ذي النورين رضي الله عنه وأرضاه فتفجر في قلبه نور الإيمان و الإيقان ...
    فكان المفاوض المثالي في صلح الحديبية ، ,أقام الحجة على أهل الفتنة في الكوفة ورد عليهم فتنتهم رغم كيدهم المحكم ، بحكمته الربانية أمام أتباعهم ...
    ومن فجر حب الجود و الإيثار في قلبه عندما سارع رضي الله عنه وأرضاه ، بتجهيز جيش العثرة ، وإغاثة المدينة من الجدب و القحط بألف ناقة محملة بالمئونة ؟؟ ! ، وكان بإمكانه أن يجني ربحاً مهولاً ، إضافة إلى أنها كانت كل ثروته ...
    ثم تمكن بحكمته وفطنته وحنكته أن يقود خمس وعشرين دولة مترامية الأطراف ، من هيئه لذلك ورباه على الإحسان غير مدرسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...
    ومن جعل من علي كرم الله وجهه ، فتى الشجاعة و الإقدام فقاتل بطل العرب "عمرو بن ود العامري" وتغلب عليه ، أليس هو الذي كان يقول كنا إذا اشتد بنا الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...
    فلولا هذا الجأش الرابط و الإيمان الرفيع الذي ناله بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان من ذو السبطين ما كان من شجاعة وفداء ابتغاء وجه الله ...
    من جعله وزيره بالعلم و الفقه و التأويل ثم وزير الصديق الأكبر ومن سبقه من الخلفاء الراشدين ، كل هذا بحسن الصحبة و التبعية و الإقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [التوبة : 88] ...

    ولكن قد يقول قائل أن الخلفاء الراشدين وأهل السبق من المهاجرين و الأنصار ، كانوا نبلاء أشراف منذ جاهليتهم فما كان دور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟؟ !!! ...
    عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تجدون الناس معادن [ كمعادن الذهب و الفضة ] ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ، وتجدون من خير الناس في هذا الأمر ، أكرههم له ، قبل أن يقع فيه، وتجدون من شرار الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) ، رواه الشيخان في الصحيح ...
    فما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أن صقل فيهم هذا الفضائل وفقههم بعون الله بهذه الكوامن ، فكما اختار الله محمداً عبده رسوله اختار له أصحابه ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي ، وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابِي ، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا ، فَمَنْ سَبَّهُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ) ، وهو حديث صحيح المتن و المعنى مشهور وله شواهده في الصحيح وقال فيه ابن حجر العسقلاني في " الأمالي المطلقة" حديث حسن السند ...
    { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [البينة : 1] ...
    في هذه الآية خطاب إخبار من الله العلي الكبير إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يخبره فيه :
    أن الذين كفروا بمعنى أعرضوا عن الحق وأنكروا جميل الفضل و الإحسان من الله من أهل الكتاب من اليهود و النصارى و المشركين في جزيرة العرب الذين أشركوا مع عبادة الله اتخذوها من دون الله لتقربهم من الله زلفى ؟؟؟ !!! ...
    لم يكونوا منفكين أي متحررين من قيود الكفر و الإشراك و الوثنية ، حتى تأتيهم البينة ...
    و البينة من البيان وهو جلاء الحق و الحقيقة ، فهؤلاء كانوا في ظلمات التبعية العمياء إما لأحبارهم ورهبانهم حتى جعلوا منهم أرباب من دون الله كما هو الحال مع اليهود ومن أشرك معهم من النصارى الذين اتخذوا من نبي الله عيسى عليه الصلاة و السلام ، إله من دون الله ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [التوبة : 31] ...
    أما مشركين العرب فقد اتخذوا من دون الله أوثان مثل اللات و العزة و هبل و مناة ..
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [19] وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ) [النجم : 20] ...
    وبقوا على هذا لضلال حتى جاءت بينة السماء فما هي هذه البينة هنا يأتي الجواب في سياق الآيات :


    { رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } [البينة : 2] ...
    فالبينة هي بعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي بشر به النبيين من قبل موسى وعيسى عليهم صلوات الله وسلامه ...
    جعله الله عبده ورسوله وأيده بالكتاب الكريم ..
    وقد جاءت كلمة رسول الله التي في الآية بدل البينة لتخبرنا أن البينة هي الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، الحامل للرسالة السماوية ، ورغم أن البينة تعني في اللغة الحجة البالغة الوضوح ...
    فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، هو حجة الله على العالمين ، فقد أرسله جل وعلا بإمكانيات بشرية بسيطة ولكن مصحوبة بإمكانيات فكرية و عقلية و بيان جلي سماوي من رب العالمين تجلي في ذلك الكتاب العظيم الذي أوحاه الله لعبده بواسطة جبريل الأمين عليه السلام ...
    لقد كان القرآن كامن في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، منذ العهد الأول يوم أشهد الله الأنفس ألست بربكم فقالوا بلى ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) [الأعراف : 172] ...
    وقد تفجرت هذه الكوامن القلبية في قلبه صلى الله عليه وآله وسلم وهو في غار حراء حينما بلغ سن النضوج سن الأربعين ؟؟؟ !!! ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( .......... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [الأحقاف : 15] ...
    لقد كان القرآن الكريم مصدق لقرآن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، من مكشفات عقلية قلبية أوقدها تفكره صلى الله عليه وسلم في هذا الكون العظيم ، الذي يدل على عظمة خالقه وإلوهيته في تصريف الكون وربوبيته في إمداده ...
    لقد انكشفت حقيقة كبرى لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، أن لا إله متصرف حاكم ومسير وفعال ومربي في هذا الكون إلا الله الذي آل له كل شيء فكل شيء ما سوى الله باطل ...
    فها هو شاعر الجاهلية لبيد يقول :
    تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل *** قد خط فيها إذا تأملت خطها " ألا كل ما شاء الله باطل " ...
    لذلك نجد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( أصدق الشعر ما قال لبيد " ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) ، رواه الشيخان في الصحيح ...
    فالقرآن كان قد تفجرت كوامنه في قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل أن يأتي التصديق من الله ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه ) ، رواه أبو داود في السنن بلفظ [ الكتاب] ، رواه بلفظه كل من أحمد في " عمدة التفسير " ، و ابن حجر في "تخريج المشكاة" ، وإسناده صحيح ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [البقرة : 97] ...
    فالآية تبين أن حقيقة القرآن كانت مودعة في قلب المصطفى مكاشفة وحالاً و مودعة عند جبريل حالاً وقالاً ؟؟؟ !!! ...
    ودليل أنه مكنون في ريع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قوله تعالى :
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [16] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [17] فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) [القيامة : 18] ...
    فالآيات تبين أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، أمر أن يتقيد ببلاغ ما يبلغ به دون الإفاضة بتبليغ معاني باقي الآيات المودعة في قلبه صلى الله عليه وآله وسلم منذ العهد الأول و التي تفجرت كوامنها في ليلة القدر في غار حراء ...
    وقد قيد عليه صلى الله عليه وسلم بأن يبين بالقدر الذي يراه الله فيه احتمال لعقول عموم الناس ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) [القيامة : 19] ...
    أي أن الله كان ينزل علمه على قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، يقيد بيانه ...
    وهذا ما يصحح متن قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أخاطب على قدر عقولهم ) ..
    وهذا ما شيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في هود وأخواتها ؟؟؟ !!! ...
    قال أبو بكر : يا رسول الله أراك قد شبت . قال : ( شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون ) ، رواه الترمذي في السنن ، و ابن دقيق في "الاقتراح" ،بإسناد صحيح ...
    لقد كان سيد المرسلين عندما يتنزل في قلبه الحق من كتاب الله يتفجر معه ما تفجر من تصديق و بيان فيفض في قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيض المعاني مع فرط الوجد والبيان و السعادة والوجل من جمال التجلي و التحلي ، فكان يتحرق صلى الله عليه وسلم ، لبيان ذلك لأصحابه رحمه بهم وحرصاً عليهم ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تئط ؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله . لوددت أني كنت شجرة تعضد ) ، رواه الشيخان في الصحيح ، والترمذي وابن ماجه في السنن ...
    ومن رحمة الله ومحبته لرسوله جاء أمر موازي من الله لأصحاب رسول الله أن لا يحرجوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بذلك في قوله تعالى :
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً ) [الأحزاب : 53] ...
    وكان بيان لقوله تعالى :
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) [المائدة : 101] ...
    خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) . قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين ، فقال رجل : من أبي ؟ قال : ( فلان ) . فنزلت هذه الآية : { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ) ، رواه البخاري في الصحيح ...
    ما أعظم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، شاب لأجل أمته ، ولم ينل من حقيقة قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما نال من صحبه إلا الصديق الأكبر أبو بكر العتيق بالحق رضي الله عنه وأرضاه في ما صح في مشهور الحديث :
    قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مَا صَبَّ اللَّهُ فِي صَدْرِي شَيْئًا ، إِلا صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ أَبِي بَكْرٍ من بعدي ) ...
    وكذا الحال مع الفاروق عمر رضي الله عنه ؟؟! ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( بينا أنا نائم ، شربت [ يعني اللبن ] حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري ، أو في أظفاري ، ثم ناولت عمر ) . فقالوا : يا رسول الله ، فما أولته ؟ قال : ( العلم ) ، رواه البخاري في الصحيح و أحمد في المسند بإسناد صحيح ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أهل الدرجات العلى يراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء ، و إن أبا بكر و عمر منهم و أنعما ) ، رواه احمد في "مسنده" ، والترمذي وابن ماجه في " السنن" ، وابن حبان في "صحيحة" ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" ...

    وبعد فإن الله اجتبى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بما حباه منذ الأزل من العصمة و الحفظ والإكرام و خصوصية الرعاية واصطفاه على العالمين ، وكان جديراً بأن يكون رسول الله لا بل سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد أن شهد الله عظيم جوهره وصدقه ، يوم العرض الأول و العهد الأول في عالم الأنفس ...
    فبهذه الهمة العلية في شخص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، أدرك الصحابة حقيقة الإيمان الحق وأدرك ذلك من تبعه بإحسان إلى يوم دين ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) [الأحزاب : 21] ...
    لأنه أعلم أين يجعل رسالته سبحانه ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( ................ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ......... ) [الأنعام : 124] ...
    فهو صلى الله عليه وآله وسلم ، البينة و الدليل الحق على رحمة الله تعالى بعباده في إرساله ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء : 107] ...
    أما سر اختيار النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن محدث كما تظن بعض الطوائف الضالة بل متأصل أزلي ، كان عندما عرض الله طرف من عظمة نور جلاله وجمالة في عالم الأنفس فتولته وألهته هذه الأنفس وأقبلت عليه سبحانه بدرجات متفاوتة كان أكملها وأنفسها أنفس الأنبياء وكان أكمل الأنبياء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ...
    ويمكن تشبيه الأمر بقيام متخصص في تربية أصداف اللؤلؤ بتهيئة ومتابعة محاراته ، و عند الحصاد بدأ هذا المتخصص بتربية اللؤلؤ ، بفتح مكنون الصدف فكان بعض الصدف فارغ و الأخر يحمل لؤلؤ صغير و أخر لم يكتمل وكاد هذا المختص يقف عن مشروع التربية بسبب عدم التغطية الاقتصادية ، إلا أن وجد لؤلؤة فريدة ثمينة جداً لا يمكن تخيل قيمتها غطت على نظيرتها وأكدت لصاحبها أن هناك ربح كبير جداً ...
    والمثل الأعلى لله عز وجل مع صفوة خلقه صلى الله عليه وآله وسلم ، فعندما ألقى الله طرفاً من نوره على عباده أقبلت كثير من هذه الأنفس التي صبغت وهيئت على الكمال ، تريد دوام هذا الحال وهي مستعدة للثمن أين كان مقابل الحصول على العرض وأشفق عن ذلك كثير من الأنفس المتعرضة لهذه النفحات العارمة ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) [الأحزاب : 72] ...

    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله خلق خلقه في ظلمة ، وألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور ، اهتدى ، ومن أخطأ ضل ، فلذلك أقول : جف القلم عن علم الله جل وعلا ) ، رواه ابن حبان في الصحيح ، والحاكم في المستدرك ، وأحمد في المسند ، و البيهقي في السنن الكبرى ، وقال فيه الحاكم : حديث صحيح ، قد تداوله الأئمة ، واحتجا بجميع رواته ، ثم لم يخرجاه ، ولا أعلم له عله ...
    وأول من أظهر رغبته بديمومة السعادة بأنوار الرحمن ، هو سيدنا آدم عليه الصلاة و السلام ، فغفل عن كيد إبليس وحجب عن الجنة ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) [طه : 120] ...
    فمن كان سبب نجاة أبو البشرية من هذا الحال و الضيق ، إلا جاه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، عند الله ؟؟؟ !! ...
    وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لما أذنب آدم عليه السلام الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش " فقال أسألك بحق محمد إلا غفرت لي " فأوحى الله إليه وما محمد قال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فرأيت فيه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولا هو ما خلقتك ) ، رواه الطبراني في الأوسط والصغير ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( كنت نبياً وآدم بين الروح و الجسد ) ، رواه الترمذي في السنن بلفظ مماثل للمضمون بسند حسن صحيح ، و رواه أبو نعيم بذات اللفظ في "الحلية" ، والطبراني في " الكبير" و " الأوسط " ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) ، رواه الترمذي في السنن ، وقال : حسن صحيح ، أسنده أحمد في مسنده بسند صحيح ، وقال فيه ابن كثير في البداية و النهاية أنه [ متواتر ] ...
    ونعود الآن إلى سياق المعنى في الآية فالصحف المطهرة هي الصحف التي تحمل في طياتها الأوامر و النواهي الإلهية وتعريف بالله تعالى ورسله وعباداته والمعاملات والأخلاق ، وهو ما يضمن للإنسان في حالة التطبيق لهذا المصدر التشريعي الطاهر الخالي من أي شائبة أو خلل فإن الإنسان يضمن سعادة الدارين ، فيصبح مطهر أي منزه عن كل ما يضر وما يؤذي ، فالقرآن الكريم خالي من النقص و التناقضات و الخطأ والانحراف ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أهل القرآن أهل الله وخاصته ) ، رواه وابن ماجه والدارمي في السنن ، و الحاكم في المستدرك ، وأحمد في المسند ، و البيهقي في الشعب ، وقال الوادعي في الصحيح المسند : صحيح ...
    ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ألا إنها ستكون فتنة ، فقيل : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم . هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه . هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به . من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . خذها إليك يا أعور ) ، رواه الترمذي والدارمي في السنن ، والحاكم في المستدرك ، وقال : صحيح الإسناد ...
    في رواية أخرى تثبت خصوصية أهل القرآن وأنها الطائفة الناجية أوردها الإمام الحجة " الغزالي " في الإحياء لصحة متنها ومآلها وشاهدها بالصحيح المسند ، عن علي كرم الله وجهه : ( و الذي بعثني بالحق نبياً لتفترقن أمتي عن أصل دينها وجماعتها إلى اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة مضله يدعون إلى النار ، فإن كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل فإن فيه نبأ من كان قبلكم ، ونبأ ما يأتي بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من خالفه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى العلم بغيره أضله الله عز وجل ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وشفاؤه النافع ، وعصمة من تمسك ، ونجاة من تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستقيم ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الترديد ) ...

    { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } [البينة : 3 ] ...

    الكتب جمع كتاب وهو ما كتبه الله على الإنسان بمعنى فرضه وأوجبه عليه بغية تحقيق الغاية بالوصول إلى الهدف الذي خلق من أجله وهو سعادة العهد الأول ..
    وقد وصل الله تعالى هذه الكتب بأنها قيمة أي رفيعة المستوى عالية المرتجى لا زيغ فيها مستقيمة على الحق ...
    ولكن هل صدع أهل الكتاب جميعاً و المشركون بالأمر واتبعوا رسول البينة صلى الله عليه وآله وسلم ، وطبقوا ما جاء به من الحق ؟؟؟ !!! ...
    وهذا ما يبنه الله في سياق آياته ...

    { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } [البينة : 4] ...
    أي أن المشركين من العرب و الذين كفروا من أهل الكتاب انقسموا بعد مجيء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى قسمين :
    • قسم آمن به وهم أقله ، لكنهم كانوا سباقون إلى الخير صادقين لأنهم آمنوا معه في محنته وصدقوا ذلك بالأفعال ، فكانوا جميعاً أصحاب تقوى حقيقية و إيمان عالي ...
    • وقسم صد عن دعوته لما وجد في ذلك من تهديد للمصالح ، رغم أن أهل الكتاب عرفوه لمطابقته لما جاء في كتبهم ؟؟؟ !!! ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) [البقرة : 89] ...
    وقد بين الله في موضع آخر عن فريق من أحبار أو علماء بني إسرائيل كيف عارضوا وأنكروا بعثة المصطفى ، صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟؟ !!! ...

    بسم الله الرحمن الرحيم : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [البقرة : 146] ...
    بل قاموا بتحريف كتبهم السماوية بما توافق مع مصالحهم السلطوية و الكسبية كرجال دين ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [البقرة : 75] ...
    والسبب في هذا الإعراض والتكذيب أنهم ظنوا أن في إتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، خسران عظيم لمكتسباتهم الدنيوية المادية و المعنوية ، وذهاب مكانتهم كرجال دين لهم الأمر و النهي ، وتحولهم أرباب يعبدون من دون الله إلى عباد وأصحاب ؟؟؟ !!! ...

    { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة : 5] ...

    إن أصحاب السلطة و النفوذ من الأحبار و السادة وجدوا في إتباع الأوامر الصحيحة لعبادة الله تضحية كبيرة لم يوافقهم عليها ما انطوت خبايا أنفسهم من سوء ...
    فقد زين الشيطان وأعوانه من الإنس و الجن لهم ذلك ...
    وغاب عنهم أنهم إذا ما انقادوا لأمر الله وطوعوا أنفسهم فيما يرضيه وأخلصوا له الوجهة والقلوب بما يتوافق مع الفطرة الإنسانية الإيمانية السليمة كما هو الحال مع العهد الأول يوم شهدوا حقاً بربوبية وحقيقة إلوهية الله ...
    ثم أقاموا الصلاة وزكوا أنفسهم من شحها بالزكاة و الصدقات ...
    لو فعلوا ذلك لشهدوا حقيقة العزة بالله ولقوموا قلوبهم على الحق و السعادة ...

    بسم الله الرحمن الرحيم : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [المنافقون : 8] ...

    فما خلق الله الإنسان إلا ليعبده حق عبادته ، ويقوموا بما يستوجب التأهيل لتحقيق العبودية عند أصحاب الصفاء و الهمم و العزائم لأن الفناء و التفاني بالله محبة وإجلالاً وتوقيراً عصمة بالله من الله ؟؟؟ !!! ...
    ولكن ما المقصود من كلمة عبد ؟ ...
    لقد عرف بعض العلماء العبادة بمعنى الطاعة وقال آخرون كحبر الأمة "ابن عباس" رضي الله عنهما ، بأن العبادة هي معرفة الله ، وكنتيجة فالعبد هو العارف بالله الذي طوع نفسه في رضا الله ...
    ولكن متى يصبح العبد عبداً ؟؟؟ !!! ...
    فأنت إذا ما قدرت شيخاً أو عالماً لعلمه وتميزه بالحق ، بعدما عرفت قدره ومكانته ، ودرجة انتفاعك بصحبته ، فطوعت نفسك لطاعته فهل تدون عبداً ...
    الجواب لا فأنت في أحسن الأحوال عابد مسلم بمقام سيدك ...
    ولا يصل المرء درجة العبد حتى يصبح قلبه مصدر للعبودية ؟؟ ! ...
    ولا يكون ذلك إلا إن كان العبد ملك لسيده وقد تعشق وتشرب من سيده العظيم عز وجل معاني الكما ل وعلو الإحسان ، فيصبح كله لله وهي العصمة التي استحوذها الأنبياء ومن قاربهم بالفصل ...
    فالله هو الملك الذي ملك قلوب العارفين فأحرقها بنور عظمته ، وملك قلوب المتقين فأغرقها بنور محبته ، وملك قلوب الصديقين فأزهقها بنور وحدته ...
    فالعبد هو من كان أسير فضل الله وعظمته غريق محبته سبحانه ، فقد عرف الله حق المعرفة ، ووجد فيه سبحانه من عظيم الفضل و الإحسان ما يجعله يهيم فيه حباً ففني عن حظ ذاته بشهود حقيقة جمال وجلال الله عز وجل ، وسعادته بدوام المثول بين يدي الله ماكثين بهذا الحضور أبداً ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( .......... وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً [2] مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) [الكهف : 3] ...

    فقد أمر الله رسله أن يدون الناس لعبادته ، ليذقهم طرفاً من عظيم رحمته ، وطرفاً من جلاله وجماله وعظيم كماله ، وتلك هي المنزلة التي طلبتها الأنفس الإنسانية من ربها في عالم الأزل يوم العرض الأول ، وأشفق من مخاطرها الجميع إلا الإنسان فهل كان بذلك ظلوم في حق نفسه جهول بمخاطر قراره ؟؟؟ !!! ...
    لأن الانصراف عن لذائذ الآخرة إلى مغريات الدنيا هو هلاك في الدارين ، أعاذنا الله تعالى من هذا الهلاك وجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه ، لأن الحياة هي أقصر مرحلة في حياة النفس الأبدية و أخطر مرحلة لأنها تقرر المصير ...
    فالنفس الإنسانية لا يرضيها ويغمر أمانيها إلا الله ...
    ففي آثار بني إسرائيل القدسية الصحيحة يقول تعالى : ( يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكلفت برزقك فلا تتعب ، فاطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ) ، ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى { ج 8 / ص:52 } ، وذكره ابن القيم الجوزي في " الجواب الكافي" { ج 1 / ص : 140 } ...
    وهذا حال عباد الرحمن ؟؟!! ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً [63 ] وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ) [الفرقان : 64] ...
    وهم أصحاب الوجد و الوجدان إذا ما ذكر الحبيب ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ) [الفرقان : 73] ...
    ونعود إلى سياق الآية وكلمة وما أمروا لا تنحسر باليهود و النصارى و مشركين العرب بل بالناس جميعاً ، فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، أرسل للناس كافة ...
    والإخلاص هو تخليص القلب وبتصفيته من كل يشوب وجهته وإقباله إلى باريه ، والدين الخالص هو ما كان في مجمله خير لا شائبة فيه ...
    و الإخلاص في الدين ثلاثة أنواع :
    1. الإخلاص بالعمل : وهو أن يكون عمله في ما يرضي الله خالصاً لوجه الله لا يشوبه مخالفة أو معصية أو خرق لاستقامة ، فليس بمخلص في العمل من يصوم ويصلي ثم يغش الناس ، فما نفع عمله إن لم ينعكس بالمعاملات مع الناس ، وليس بمخلص العمل لله من بنا مسجداً وأطعم الطعام وأعطى الصدقات لأصحاب الحاجة و الفقر ثم أطلق نظره في المحرمات وأكل ما اليتيم ؟؟؟ !!! ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي ، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار ) ، رواه مسلم في الصحيح ، والترمذي في السنن ...
    2. الإخلاص بالنية : وهو أن لا يكون للمرء في عمله نية إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ، فلم يخرج للجهاد وتعلم العلم وقام بالخير ابتغاء السمعة و الرياء وهو الشرك الخفي ...
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية ، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذلك . ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة له : كذبت ، ويقول الله بل أردت أن يقال : فلان جواد وقد قيل ذلك . ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له : فيماذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان جرئ ، فقد قيل ذلك . ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : يا أبا هريرة : أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ) ، رواه الترمذي في السنن ، وابن حبان وابن خزيمة في الصحيح ، الحاكم في المستدرك ، وقال : صحيح الإسناد ...
    3. الإخلاص بالوجهة : هي أن لا يكون للعبد وجهة إلى غير ربه ، و لا اعتماد له إلا على الله ، فهو يباشر ما أحل الله له من دنياه وقلبه معلق ومشغول بالله فقط فالدنيا ملك يديه و الله مالك قلبه و فؤاده ، منه وحده تعالى يطلب وإليه وحده يرغب صورته مع الخلق وقلبه مع الحق ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) [النور : 37] ...
    ونعود الآن إلى سياق الآية مرة أخرى ، فكلمة حنفاء الواردة بالآية هي جمع كلمة حنيف ومعناه المائل إلى الخير أو المائل عن الشر وعكسه الحنيث وهو المائل الراغب بالشر أو المائل عن الحق ...
    لقوله تعالى : ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ) [الواقعة : 46] ...
    فالحنيف هو من مالت نفسه إلى السكينة بالحق و الخير بالمحبة والإقبال على الله ، والدين الحنيف هو الذي لا ينطوي إلا على الحق و الخير ...
    و الآن تعود لنتابع الآية :
    { وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } ..
    وإقامة الصلاة يكون بعد أن توفى الصلاة حقها الشرعي من القيام بأركانها وشروطها كاملة و تكون ضمن الوقت الذي تتحقق به أفضلية القرب و الوجهة إلى الله عز وجل ...
    فليس للعبد من صلاته إلا ما كسب منها من سكينة و خشوع ينعكس في فؤاد القلب وما عقل في عقله ...
    فالصلاة في حقيقتها هي تلك العلاقة أو الصلة القلبية التي تنشأ في ذات العبد تجاه خالقه فيطمئن وتقر العين بها وترتاح النفس بإقامتها ...
    يقول المصطفى صلى الله عليه وآله و سلم : ( ....... وجعلت قرة عيني في الصلاة ) ، رواه النسائي في سننه " المجتبى" ، والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط مسلم ، رواه أحمد في المسند ، و البيهقي في سننه الكبرى ، الطبراني في الأوسط و الكبير ، قال ابن الملقن في " البدر المنير " ، إسناده صحيح ، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ، صحيح ثابت ...
    ويقول صلى الله عليه وسلم : ( أقم الصلاة وأرحنا بها يا بلال ) ، رواه أبو داود في السنن ، و أحمد في مسنده ، قال العراقي في " تخريج الإحياء " ، إسناده صحيح ، وقال الزيلعي في " تخريج الكشاف " ، إسناده سند الصحيحين "البخاري و مسلم" ...

    وإيتاء الزكاة تأديتها كاملة وعلى وجهها الشرعي لمستحقها من أهل الحاجة ...
    وسميت الزكاة زكاة لأن في أدائها تربية وزيادة في المال وحصانه له ، ولا يقتصر ذلك على الوجه المادي وإنما المعنوي من خلال تزكية النفس من الشح وزيادة التعلق بالدنيا والمال وغيره مما يصلح القلب ويطيب النفس ويهيئها للتحلي بالمكارم و الفضائل ، فمن يأتي الزكاة تثمر في قلبه القناعة برضا الله تعالى عنه ، فيقبل على الله إن كان من أصحاب العزائم ، فيستزيد من فضل الله بالصدقات ...
    ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [التوبة : 103] ...

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ، وأعدوا للبلاء الدعاء ) ، رواه أبو داود في "المراسيل" ، رواه البيهقي في الشعب و الطبراني في الأوسط و الكبير ، وهو مرسل صحيح عن "الحسن البصري" رضي الله عنه ..
    وفي النهاية فإن مجمل الأوامر الإلهية في هذه الآية لتزكية نفوس المأمورين وجعلها تعرج في معراج الكمال بالقرب من الله ...
    فالأمة التي تلتزم بمقومات النفس في الصلاح و سعادة التقوى و الإيمان تصبح سيدة الأمم وهذا ما تجسد في الصحابة و التابعين ومن تبعهم بإحسان ففتحوا العالم ...

    { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [البينة : 6] ...
    يعود الله سبحانه ويقرن الكفار من أهل الكتاب الذي أعرضوا عن الحق الذين بين يديهم وأنكروا فضل الله عليهم هم سيان عند الله ...

    بسم الله الرحمن لرحيم : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) [النحل : 83 ] ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ) [الشورى : 48] ...

    والمقارنة بين الفريقين هنا ، لما بينهم من نقاط تشابه أساسية ..
    ونأتي الآن على معنى الخلود فظاهرها هو دوام البقاء في النار وهو معنى صحيح ولكن لا تنحسر الآية في هذا المعنى ؟؟؟ !! ...
    فمصدر كلمة خلود من فعل خلد من الميل و غلبة الحال نقول خلد فلان إلى النوم أو إلى الظل أي أوى إلية ولزمه لما غلب في نفسه من الرغبة ووجد في هذا الفعل الخلاص من النعاس أو حرارة الشمس ...
    فيوم القيامة تتفجر المشاعر التي كانت مخدرة و متبلدة عند هؤلاء وتستيقظ فطرة العهد مع الله ، وتنكشف لهؤلاء أعمالهم المنحطة الدنيئة , وما قاموا به من الخطايا والآثام ..
    وهنا ترهق هؤلاء سوء أعمالهم وذنوبهم ، فحرق أنفسهم نار العار و الخزي و الخجل و المذلة ، فيشتد عليهم ألمهم المعنوي ويتعالى ، بشكل لا يحتمل و لا يطاق دون مفر أو منجي ينجيهم أو منفذ ينفذون منه يكون حجة لهم ليبردوا لظى هذه الحرقة النفسية المؤلمة ؟؟؟ !!! ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) [إبراهيم : 15] ...

    فلم يبقى لهم في ذلك الحين منجى يرد سعير آلامهم المعنوي أو جحيم الآلام سوى نار الحريق المادية مهما كانت شديدة ؟؟؟ !! ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ) [الكهف : 53] ...
    و الظن هنا هو عين اليقين أي حقيقة الشهود ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [6] ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) [التكاثر : 7] ..

    وكلمة البرية هي كلمة شاملة تشمل كل كائن حي خلقه الله يدب على الأرض أياً كانت صفته أو حقارة قدره ...
    إلا أن الكفار و الذين أشركوا هم شر وأحقر قدراً ، من أدنى مخلوق خلقه الله ؟؟؟ !! .
    و السبب أن كل ما يأتي من هؤلاء هو شر وشؤم محض لا خير فيه ، فكل ما يخترعه الغرب المتحضر لا ينطوي فيه إلا الشر المحض ، حتى لو ظهر فيه النفع الكثير فالضر والسم مخلوط بالدسم لا تظهر نتائجه بشكل آني بل عبر الزمن ، فكل هذه المخترعات وإن كانت في الظاهر نفعاً وراحة وتيسير وتسهيل متطلبات الحياة ..
    إلا أنها في الحقيقة ملفته عن الله بحجب النعم ونسب الفضل لغير الله من خلال تولد التقدير والإعجاب بصناعة هؤلاء فنشرك محبتهم في قلوبنا مع محبة الله وتقديره أو بشكل أدق على حساب ما اكتسبنا ه في قلوبنا من محبة و تقدير و لا ينجوا من ذلك أو من هذه الحبائل الشيطانية إلا من خلص قلبه لله وتجاوز طور الظن إلى مقام اليقين ...
    فكما يقول الصديق الأكبر رضوان الله عليه : ( يقيني بالله يقيني ، وقربي منه منجاتي ومعيني ) ...
    و السبب أنهم ينسبون الفضل بكليته لله وحده ؟؟ !! ..

    بسم الله الرحمن لرحيم : ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) [الأنعام : 102] ...




    { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } [البينة : 7] ...


    فكما أن القرآن قد قبح سير أهل الكفر و الإشراك ، وندد بأعمالهم المنحطة التي لم يرد بها إلا الإفساد و الباطل ...
    فقد أشاد جل وعلا بمكانة و فضل الذين آمنوا وعملوا الصالحات على سائر الخلائق ..
    فقد قرن الله تعالى العمل الصالح بالإيمان لا في هذه السورة فحسب بل في مواضع عدة في كتابه سبحانه ...
    و السبب أن الإيمان رأس كل فضيلة ومصدر كل نبل ومنعكس تصديقه هو العمل الصالح ويستزيد بزيادة الإقبال على الأعمال الصالحة وتحريها وتتبعها ...
    ألم ترى إلى الرسل الكرام ومن خذا خذوهم وورثهم بالحق ، كيف سمت أنفسهم بالحق وعلو الإيمان على سائر الخلائق وحظوا بالفضيلة و الكمال ...
    وألم ترى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف كانوا بإيمانهم كالأنجم المضيئة تضيء للساري دربه إذا ما أقبل الليل وسيطر الظلام ؟؟ !! ...
    وكما في الأثر الشريف الذي لم يعتني علماء الحديث بتصحيحه ، ولكن يوثقه واقعه التجريبي وصحة معناه : ( أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم ) ...

    فالمؤمن في كل زمان ، هو من كان كالزهرة الفواحة التي تتعطر بها المجالس ، فنرى المؤمن العالم كالمصباح النير لمن تبعه ...
    يقول صلى الله عليه وسلم : ( اتبعوا العلماء فإنهم سرج الدنيا ومصابيح الآخرة ) ، ورد في "كنز العمال" رقم { 28681} ...
    ويقول ذو السبطين كرم الله وجهه : ( العلماء مصابيح الأرض ، وورثة الأنبياء) ..
    فهو يأخذ بيد مريد الله إلى مارد الإيمان و فضيلة الأعمال ، فإذا هو بما امتاز به من حسن الشمائل أضحى كالياقوتة الصافية أو الماسة المتلألئة البارقة الكريمة دونها سائر الأحجار ...

    بسم الله الرحمن لرحيم : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح : 29] ...
    فهم خير البرية عملاً وهم خير البرية بسمو أنفسهم بالحق وحسن الخلق وتمام الاستقامة ، ورقة و نبل ولين وشدة بالحق ، وهم خير البرية معرفة بخالقهم وإقبالاً إليه ...
    ومهما عددنا فلن نصل لما سمى إليه أهل الإيمان من سعادة بالله ونعيمه سبحانه ، يكفيهم أن الله قال فيهم أولئك هم خير البرية ...


    { جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } [البينة : 8] ...

    كلمة جنات هي جمع جنة وهي مأخوذة من جنّ أي بمعنى خفي واستتر ، نقول جنّ الليل أي ستر الأرض بظلمته ، ومنه سمي الجنين لأنه مستور في رحم أمه و الجنة في حقيقتها المعنوية تخص كل ما يبعث في النفس من السعادة و السرور وآثار شهود النعيم و المنعم سبحانه ، فهو كل نعيم نفسي خفي وسرور مستور عن الآخرين فلا يعلم ما لا يطلع على هذا الحال الغالب من اللذة النفسية العارمة إلا الله لذلك سمي البستان الجميل الذي يغطي ويستر جماله كثافة أشجاره بالجنة ...
    و للتوضيح نقول قد أقف أمام حديقة جميلة ذات ظل ظليل وجمال أخاذ جذاب وزخرف خلاب من بديع ألوان الزهور ورياحينها ، فيوجد ذلك في نفسي السرور ومنعكس النعيم ، فلا يطلع على ما أنا عليه غيري إلا من انعكس على الوجه من أثر وحال نضارة النعيم ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) [المطففين : 24] ...

    فهذه الحديقة الغناء وما عكسه شهودها وبعث في النفس سرور مستور عن الغير هو حال الجنة ..
    فكل جميل هو غيض من فيض جمال الله ، وكل ما في الكون يعكس ذرة من بحر قدرة و كمال و جلال و جمال الله ...
    لذلك تجد أهل الجنة لا ينعمون بشيء كما ينعمون بمشاهدة تجلي جمال الله سبحانه عليهم ...
    بل ذلك الشهود لجمال تلك الحضرة الإلهية هو في الحقيقة جنتهم وبه نعيمهم ودوام سعادتهم ، إذا هم ينعمون بهذا النعيم نعيماً متواصلاً مستغرقين فيه بالكلية فلا يبغون عنه حولاً ؟؟؟ !!! ...
    بسم الله الرحمن لرحيم : ( مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) [الكهف : 3] ...

    بسم الله الرحمن لرحيم : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [22] إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة : 23] ...

    يقول الإمام علي كرم الله وجهه : ( إن لله جنة لا في حور و لا قصور ، ولا أنهار من لبن وعسل ، ولكن ينظر فيها لوجه الله عز وجل ؟؟ ! ) ...
    ويقول سلطان العارفين " أبو يزيد البسطامي" رحمه الله تعالى : ( إن من خواص الله أناس في الجنة لو حجب عنهم الله لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار ؟؟ ! ) ...
    وبما أن جمال تلك الذات العلية وكمالها ليس له حد و لا انتهاء ، وحيث أن النفس الإنسانية في الجنة طاقاتها وقدراتها وإمكانيتها على الاحتمال و الوسعة غير محدودة ، فهذا يجعلها ترتقي بهذا الشهود بشكل متوالي و متواصل ، وهو ما يهبها دوام التمتع بهذا الشهود و الذوق العالي وبخلود أبدي ، فما من مشاهدة إلا يغطيها ما يليها بما هو أعظم وأجمل وأجل ، فما عند الله لا ينضب و لا ينتهي بل متعالي التجديد ؟؟ ! ...
    ودوام الارتقاء بالمسرات هو ما عبرت عنه هذه الآية بكلمة جنات ؟؟؟ !!! ...
    وقد عبرت كلمة عدن على الديمومة و الارتقاء بحال النعيم و المسره ، فعدن تعني الإقامة الدائمة و الاستقرار و الرقي ...
    وفي الآية كلمات تجري من تحتها الأنهار إشارة إلى النعيم المادي المتواصل مع النعيم المعنوي إلا أن النعيم المادي دون المعنوي في الجنة بأثر و الفضل والمرجعية ؟؟ !!! ...
    لذلك هو تحت نعيم المعاني القلبية و أكثر منها ظهور للعيان وهو مستقر وأقل ترقي من أحوال القلب التي تغرق أهل الجنة لتجعل من النعيم المادي نعيم ثانوياً ؟؟ ! ...
    وكلمة الأنهار هو إشارة إلى استمرار التدفق و الجريان مع الإفاضة دون انقطاع فالمؤمنون يستغرقون في النعيم المعنوي و المادي و الاستزادة من مباهج النعيم المادي مرتبط بمستوى لذائذ القلب التمتع بالمادة بالجنة وفق حال المؤمن وحال قلبه ودرجة ذوقه القلبي وسعادته ...
    بل أن المؤمن عندما يكرمه الله بفواكه وثمار وجنات مادية فيها أشجار جميلة آخاذه مثمرة متنوعة بشكل كبير وأنهار ليست كأنهار الدنيا بما فيها من أصناف النعيم وأزواج يقصرن الطرف بما فيهم من حسن وجاذبية و جمال ويأخذن بمحور العين فتقر العين بالنظر إليهم وتشغف بهن القلوب وتثور السرائر قبل التواصل والتفاعل بالتقارب والملامسة و الوصال ، كل ذلك يزيد من ثبات وارتقاء أحوال النفس القلبية للمؤمن فالأصل والأهم هو معاني السعادة القلبية في الجنة ...
    فما من نعيم مهما كبر وعلا إلا هو دون ذلك النعيم الذي لم تره عين قبل ذلك ولا تسمع به أذن ولا يعيه قلب بشر ...
    وكل ذلك ما هو إلا تعبير من الله تجاه عبده المؤمن ، عن مدى حبه ورحمته به و كبير رضاه ، إذا أنت أهلت وأعددتها لذلك النعيم المقيم ، فالله قد رضي عنهم بما أغدق عليهم من فيض نعمه وعظيم كرمه ورضوا عنه إذ وجدوا منه سبحانه أكثر مما تصوروا من النعيم بكثير ...
    وفي آخر الآية يأتي بيان لمن هذا النعيم المرضي العميم لأهل الجنة إنه لمن خشي ربه ، فالخشية من الله مبعث كل خير ، و التي من علاماتها و أعني الخشية توقي الاقتراب والخوض في المحارم وتتبع كل ما يرضي الله عز وجل ..
    وهذه الخشية لا تكون إلا بمشاهدة التصريف و الإمداد الإلهي و التربية و التي لا يصل إليها المؤمن إلا بدوام الفكر و التفكر ، وكثرة الذكر و التذكر و الحرص على العمل الصالح و الاستزادة منه وتوقي الزيغ بعد تمام الاستقامة ...
    بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) [العنكبوت : 6] ...
    تم بعون الله وتوفيق من الله ...

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474974


    جزاكِ الله خير الجزاء
    وبارك الله فى اعمالك
    فى ميزان حسناتك
    أن شاء الله

    [IMG]http://dc03.***********/i/01751/u674s73prh3c.gif[/IMG]

  3. #3
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475064
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669




    بارك الله فيك
    جزاك الخير كله
    في صحفك الخيره ان شاء الله تعالى
    كل التقدير والود والإحترام
    دمتم بحفظ الله ورعـايته...!!



    اختكم بالله


المواضيع المتشابهه

  1. الأردنيون ينفقون 136 مليون دينار على السفر للخارج بشهرين 23-04-2015
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى اخبار الاردن
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-04-2015, 06:51 AM
  2. 'شباب 9 مارس' ينخرطون في مواكبة الإصلاحات الدستورية بمراكش
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى اخبار المغرب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-05-2011, 08:01 AM
  3. اوباما يقرر إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان خلال 6 اشهر
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 04-12-2009, 12:38 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك