أهلاُ وسهلاُ
إذا كنت تجد نفسك تقف فوق أخفض بقعة على سطح الأرض، ويحضنك اقدم موقع للاستيطان البشري ورحت تقرأ السطور الأولى من كتاب الكون محفورة على حجارة تلك البقاع، واخذت تتابع تعرجات نهر مقدس عاش على ضفتيه العديد من الرسل والأنبياء ( عليهم السلام ) وعاينيت آثار الأولياء والصحابة الصالحين الذين عمروا هذه الديار ناشرين رسالات الخير والمحبة والهداية للبشر.
ولمحت إلى جوارك بحراُ يمتاز بشدة ملوحة مياهه ووجدت نفسك تعوم فيه رغم عدم إلمامك بفنون العوم والسباحة.
وإذا وجدت نفسك ترتقي سلسلة جبلية محاذية لذلك النهر حيث تشكل الحافة الشرقية لحفرة الأنهدام التاريخية فيمتد الأفق امام ناظريك كاشفاً عن لوحة فنية طبيعية قوامها مدن وقرى تناثرت هنا وهناك على قمم جبال وهضاب مكسوة بالغابات وسهول عامرة بالكروم نحو الغرب لتشاهد مآذن المدينة المقدسة وقبابها الشامخة تلوح من بعيد إلى جانب العديد من مدن وقرى فلسطين.
وإذا ما قررت الإتجاه صوب الشرق وطالعت الصحراء بكل أسرارها ورمالها الذهبية والتي كانت ذات زمان طرقاً ومسالك لقوافل التجارة بين الحجاز والشام، وطريقاً لحجاج بيت الله الحرام وشرياناً يربط الجزيرة باشام والعراق، وبوابة للفتوحات الإسلامية، وقد انتشر في جنباتها العديد من القلاع والحصون والقصور التاريخية التي شادها خلفاء بني امية طلباً للراحة والإستجمام أو تلبية لهوايات الصيد والقنص.
أو أخترت أن تيمم صوب الجنوب وتسلك طريقاً ملوكياً شقه الرومان حين كانوا سادة هذه البلاد واخذت تقرأ على بوابات القلاع والحصون الممتدة عبر الطريق تاريخ الحضارات الإنسانية الغابرة المتلاحقة والتي ترك اصحابها بصمات أرواحهم على بوابتها، وظلت صامدة خالدة تبوح بتاريخ مجد قادة وحكام وفاتحين سادوا ثم بادوا .
وإن ألفيت نفسك تعبر شقاً صخرياً عميقاً وافضى بك إلى عالم من الدهشة والإنبهار حيث مدينة وردية نحتت من الصخر فغدت واحدة من عجائب الدنيا وقرأت على جدران معابدها ومساحاتها تاريخ الأنباط الذين ابدعوا بناءها لتكون شاهداً حياً على عبقرية المكان والسكان وكانت واسطة العقد في مدن حلف الديكابولس ( المدن الرومانية العشر ).
وإذا غادرتها مبهوراً بسحرها وروعتها وواصلت طريقك نحو الجنوب وانكشفت أمام عينيك مدينة وادعة تغفو على شاطئ البحر بكل تجلياتها وتاريخها .
نعم .. إذا أكملت تلك الصورة والمشاهدة التي جمعت في لوحة واحدة رائعة كل مظاهرها الطبيعية والجغرافيا من السهل إلى الجبل والبحر والوادي والصحراء والماء، وكانت لوحة فنية أبدعتها يد البديع سبحانه وتعالى .. إذا تشكلت لديك تلك اللوحة الآسرة، أعلم إنك في قلب الشرق والتاريخ والحضارة .. إنك في الأردن.
المفضلات