احتجاجات الأئمة.. ماذا فعلنا بأنفسنا؟
حسين الرواشدة
حين يخرج اكثر من «250» اماما وواعظا للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم، ويهددون بفضح «الفاسدين» من على منابر المساجد، فمن واجبنا ان ننتبه الى خطورة ما يحدث، فقد تصورنا على مدى السنوات الماضية ان هؤلاء «الموظفين» خارج السياق وبالتالي تعاملنا معهم بمنطق «تحصيل الحاصل» لنفاجأ الآن بانهم كسروا حواجز الصمت وبأن سكوتهم لم يكن يعبّر عن عافية في احوالهم وفي المؤسسة التي ينتسبون اليها ولا عن «رضى» وقناعة بما تحقق لهم من مطالب «ان كان قد تحقق شيء» وبما يرونه من ممارسات.
ان خطر ما يحدث يكمن في مسألتين: احداهما ان هؤلاء يتبوؤون مواقع مؤثرة في المجتمع واقصد هنا المساجد والمنابر التي تشكل اكبر وسيلة اعلامية متاحة للجمهور واكثرها قدرة على الوصول الى ضمائر الناس وتحريكهم، والمسألة الثانية ان هؤلاء يتحدثون باسم «الدين» وفيما كنا حريصين على المستوى الرسمي بابعاد السياسة عن المساجد وعن خطابها الديني فيما مضى فان دخول هؤلاء الاخوة الى ميدان الاحتجاج سيعني بالضرورة دخولهم على خط السياسة لا من خلال الاعتصامات التي رأيناها وانما من خلال «المنابر» وخطب الجمعة ودروس الوعظ والارشاد ومواسم الافراح والعزاء.. وهذه كلها متاحة «للأئمة» الذين ما زالوا يشكلون بالنسبة للناس نماذج مرحبا بها ومحترمة.. بل ومؤثرة اكثر مما يتوقع البعض.
من واجبنا ان نعترف بأننا اهملنا فيما مضى «هؤلاء» المحسوبين على العلم الشرعي، ناهيك عن «العلماء» الذين تم تهميشهم بصورة مؤسفة، كما اننا لم نقدّر الدور الكبير الذي ينهضون به في ترشيد الوعي الديني لدى الناس، وتجنيبهم مزالق التشدد والتكفير ولا ادري هنا اذا كان ذلك قد حصل بسبب تقصير اداري تتحمل مسؤوليته مؤسساتنا الدينية ووزارة الاوقاف تحديدا ام بسبب اجتهادات سياسية اخطأت في فهم رسالة «المسجد» ودفعت العاملين فيه بالتالي الى رفع اصواتهم بمثل هذه الصورة.
نخطىء كثيرا اذا لم ننتبه الى خطورة «المسجد» وائمته ووعاظه وقبل ذلك الى دور «العلماء» المشهود لهم بالتقوى والخشية وقول الحق، ونخطىء ايضا اذا لم نتعامل مع «مطالب» الموظفين في مؤسساتنا الدينية بمنطق الفهم والاستجابة.. ومع القضايا التي «تؤرقهم» بمنكق الكشف والمساءلة والمحاسبة.. فنحن امام فئة كريمة من مواطنينا يحظون باحترام الناس وكلمتهم مسموعة ومؤثرة والمنابر المتاحة لهم اهم مما قد تتصور.. وتحويلها الى «منصات» سياسية في هذا الوقت بالذات سيشكل تحولا هاما في حراكات الشارع هذا الذي نحاول استيعابه بشتى الوسائل.
ادعو الشيخ وزير الاوقاف الذي كان موظفا في الوزارة قبل ان يصبح وزيرا الى «تطويق» هذه الحراكات بسرعة فهو يعرف اكثر منا عن احوال واوضاع العاملين في وزارته وهو اقدر على فهمها ومعالجتها بسرعة.. واذا كان البعض يستهين بما حدث فان اخشى ما اخشاه ان يدخل «الدين» على خط «السياسة» لا بما عهدناه من خطب هادئة وموزونة ومحسوبة وانما بخطب «غاضبة» ودعوات تؤجج المشاعر وعندها لا احد سيعرف الى اين ستتجه بوصلة «المستمعين» الذين يتعبون بالانصات الى «الامام» ويتحشدون كل جمعة بالآلاف لاداء فريضة الصلاة.
هذا جزء مما فعلناه على مدى السنوات الماضية بأنفسنا وبدلا من ان نفاجأ بالنتائج من واجبنا ان نبدأ بسرعة لتطويق «الحرائق».
عن الدستور
المفضلات