كان يمشي وحيدا في هذه الأرض الجديدة التي لم تعهدها قدماه بعد
يبغي صالح هذه الأمة .... يفكر في غدٍ أفضل
فإذا بقوم يخرجون عليه وهو وحده ..
لكن مهلا..!!
ما باله لا يخشى سيوفهم وقسيهم ؟؟
ربما لأن فيهم رجلا رأى في عينيه بريقا لم يعهده من قبل
أنه رسول كريم أتاه برسالة من رحمن رحيم ...
إنه رسول الأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جمع حوله المهاجرون والأنصار .
فينشق الجمع ليمر رسول الله إليه ليقول له أعذب كلمات يسمعها على وجه هذه الأرض يناديه باسمه ثم يقول : تقدم لشأنك .
وأخذ ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم حوّل بصره إلى أصحابه الذين سبقوه إلى جنة عرضها السموات والأرض .
فهب من نومه مستبشرا .. لقد أتاه الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه وهو الذي لا يتمثل الشيطان به .
فصرخ في الناس : يا قوم أتاني رسول الله يبشرني بنصر قريب فبث في نفوسهم ثقة أشعلت فيهم قوة لا مثيل لها ثقة ببشراه . فقويت أرواحهم , لأنهم لم يشكوا لحظة في الظفر .
ربما لأنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم على ثقة بأن الله سيصدق وعده معهم
فانطلق الرجل ومن معه من المسلمين وكان قد خرج في سبعة آلاف منهم في أربعة سفن جهزها له يليان والذي آثر الانتقام من لوذريق "ملك الأندلس" بالتحالف مع ابن زياد .
وحط َّ طارق بن زياد بجبل نسب لاسمه حتى إذا ما توافى جميع أصحابه عنده وبدأ يتأهب لشن غاراته عليهم، فإذا بخبر نزوله إلى البر يبلغ لذريق , فيتأهب لملاقاة الغزاه ويبادر في جموعه وهم نحو مئة ألف ...ذوي عدّة وعدد وينطلق ليقاتل الذين جاءوا يقاتلونه في عقر داره .
فلما رأى طارق جيش الأندلس كتب إلى موسى بن نصير يخبره أن لذريق قد زحف عليه بما لا يطيق فأرسل إليه موسى خمسة آلاف من المسلمين ليكون جمع المسلمين من إثنى عشر ألفا من الأبطال الصناديد
ثم قام طارق لينظر في جمع المسلمين وقد ربطوا على قلوبهم يتوقون إلى نصر من الله أو شهادة في سبيله فأخذ يحثهم على الجهاد في خطية شهيرة له ويرغبهم فيه فحمد الله ثم قام فخطب فيهم :
" أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (يقصد لوذريق ( فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت.
وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة، ولا حَمَلْتُكُمْ على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشقِّ قليلاً، استمتعتم بالأرفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي.
واعلموا أنني أول مُجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند مُلتقى الجمعين حامل نفسي على طاغية القوم لذريق، فقاتله - إن شاء الله -، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلب عاقد تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه؛ فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من الاستيلاء على هذه الجزيرة بقتله؛ فإنهم بعده يُخذلو."
فما أن أنهى خطبته بالناس حتى أقبل في أصحابه الزّرد ومن فوقهم العمائم البيض وبأيديهم القسي العربية , وقد تقلدوا السيوف .
فلما نظر إليه لوذريق داخله منهم الرعب واستولى عليه خوف شديد .
ونظر طارق ورأى الملك في أبهته فنظر إليه من مكانه نظرة كانت أشبه بنظر الصقر بفريسته من السماء
ثم قال لأصحابه :
1هذا طاغية القوم , إني حامل عليه فاحملوا معي.
فأخذ يلعب بالسيف ليشق طريقه وكأنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناديه :
1يا طارق , تقدم لشأنك .
فتفرقت المقاتلين من بين يدي لذريق حتي تعانق الأخير مع سيف الطارق ليقع صريعا ويدب الرعب في قلوب من والاه وراحوا يولوا الأدبار فلاح النصر للمسلمين .
فأقبل طارق يفتح البلاد فما وقفت مدينة حصينة إلا وحاصرها فأحكم الحصار حتى وقعت طليطلة بين يديه وبعض مدنهم
صارت الطريق ممهدة أمام المسلمين لفتح البلاد. وفتح طارق المدن الأسبانية واحدة تلو الأخرى .
لكنه احتاج إلى المدد فكاتب موسى بن نصير قائلاً :
2إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية فالغوث الغوث.
سارع موسى بن نصير ووصل الأندلس على رأس جيش قوامه ثمانية عشر ألف مقاتل من العرب والبربر.
فلما بلغه ما صنعه طارق غضب , فطارق يسير بالمسلمين في بلاد يحيط بها الأعداء من كل جانب فماذا يفعل لو اتحد الملوك المتنابذون فأطبقوا عليه وقطعوا على المسلمين خط الرجعة ؟!
فكان غضبه نابعا من حرصه على المسلمين المجاهدين .
فاتحد الجيش مع جيش طارق بن زياد، حيث خاض الجيش الموحد معركة "وادي موسى" التي هزم المسلمون فيها جموع القوط ودانت لهم بعد هذا النصر الأندلس كلها.
ثم عزم موسى بن نصير على تفرقة الجيشان ليؤمّن جناحه وحتى تضيع فرصة الأعادي في الإطباق على جيش طارق والذي امتدت خطوطه واتسعت رقعته
فتقدم موسى واحتل الجبل والذي سمى هو الأخر باسمه فاحتل الجزيرة الخضراء حتى وصل مدينة قرمونة وليس بالأندلس احصن منها . فخرت هي الأخري بين يديه .
حتى أتى مدينة ماردة وكانت ذات عزّ ومنعة , وفيها آثار وقصور , ومصانع وكنائس جليلة القدر , ألفى أهلها قد تحصنوا تحصنا شديدا .
حتى نالوا من المسلمين دفعات قليلة وآذوهم.
فعمل موسى دبّابة , وكانت تتخذ من الخشب وجلود , يدخل فيها الرجال فتدفع في الحصن فينقبونه , وهم في جوفها وهي تقيهم ما يرمون به من فوقهم ودب المسلمون من تحتها إلى برج من أبراج سور المدينة , جعلوا ينقبونه , فلما قلعوا الصخر ثار بهم العدو على غفلة منهم , فاستشهد قوم من المسلمين تحت تلك الدّبّابة .
ولما رأى العدو قوة المسلمين وأيقنوا أنهم لا يستطيعون لهم نزولا قرر أهلها الميل إلى السلم .
فأتى رسولهم إلى موسى فإذا به أبيض الرأس واللحية . فأخذوا يفاوضونه , فلم ينتهوا إلى رأي فخرجوا من عنده.
وبعد أيام ... عادوا مرة أخرى وقد رأوه قد حمر لحيته بالحناء فعجبوا من ذلك ، ولم ينتهوا لرأي فخرجوا من عنده وعاودوه الثالثة وكان قد سود لحيته فعجبوا لذلك إذ كانو لا يعرفون الخضاب فلما عادوا إلى قومهم قالوا لهم : إنا نقاتل أنبياء , يتخلقون كيف شاءوا , كان ملكهم شيخا فصار شابا والرأي أن نقاربه ونعطيه ما يسأله فما لنا طاقة بهم ، فأكملوا صلحهم معه .
لقد ظهر المسلمون في تقدمهم , حتى بلغوا فرنسا وانتهوا إلى وادي " دوردوني " , ووصلوا إلى أربونة فارتاع " شارل مارتل " ملك فرنسا , فجمع لهم وذهب لمباغتتهم بالقرب من صخرة إينيون ،إلا أنه لم يجد أحدا هناك فعجب لهذا الأمر . إلا أن تلك المنطقة كانت ذات طبيعة جبلية وقد عسكر المسلمون بالقرب منه وفي غفلة عنه .
ولما تيقن شارل مارتل من أن جموع المسلمين سرعان ما تهب لنصرة إخوانهم , ودب الرعب في قلوب من معه حتى صرخ أحدهم خوفا من جموع موسى بن نصير
3كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة طلوع الشمس حتى أتوا من مغربها واستولوا على بلاد الأندلس , وعظيم ما فيها من العدة والعدد بجمعهم القليل وقلة عدّتهم .
فقد كانوا كالسيل يحمل من يصادره , هم في إقبال على أمرهم , لهم نيات تغني عن كثرة العدد , وقلوب تغني عن الدروع
فانتظر موسى بن نصير جيوش شارل مارتل والذي آثر الإنتظار , فعاد موسى ليفتح ما بقي من بلاد الأندلس
شامخا بمجده ..
مسرورا بما آتاه الله من فتح مبين .
المفضلات