سوف نرى معجزة نبوية أيضاً في هذا الحديث تتمثل في إشارة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام إلى سرعة البرق وأنه يستغرق زمناً ليمر، وليس كما كان الاعتقاد السائد أن البرق يقطع أي مسافة دون الحاجة إلى زمن بل بلمح البصر. فصحَّح هذا النبي الكريم المعتقد الخاطئ بكل صراحة ووضوح.
إن الحديث عن ظاهرة البرق ظل مرتبطاً بالخرافات والأساطير لآلاف السنين، وفي الزمن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي في القرن السابع الميلادي لم يكن لأحد علم بالعمليات الدقيقة التي تحدث داخل البرق. ولكن الذي لا ينطق عن الهوى والذي أرسله الله رحمة للعالمين حدثنا عن هذه العمليات بكلمات قليلة في قوله عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم].
ففي هذه الكلمات معجزة علمية شديدة الوضوح، خصوصاً إذا علمنا أن العلماء يستخدمون نفس الكلمة النبوية من خلال تعبيرهم عن طوري المرور والرجوع، وأن هذين الطورين يستغرقان مدة من الزمن تساوي تماماً الزمن اللازم لطرفة العين!
لقد بدأتُ بتأمل الحديث الشريف، وبدأتُ معه رحلة في عالم المكتشفات العلمية وآخر ما توصل إليه العلماء من حقائق يقينية ثابتة حول هذه الظاهرة الجميلة والمخيفة. هذه الظاهرة ظلَّت مستعصية الفهم أمام العلماء لقرون طويلة، وبالرغم من التطور العلمي والتقني الذي نراه اليوم، إلا أن الآلية الدقيقة لحدوث البرق لم تزل غامضة (1).
ولكن في السنوات القليلة الماضية استطاع العلماء فهم الخطوط العريضة لهندسة البرق والعمليات الفيزيائية الأساسية التي تحدث خلاله.ومن خلال هذا البحث سوف نثبت أن الإنسان لا يمكنه أبداً أن يلاحظ بالعين المجردة هذه الأطوار، والسبب هو أن الزمن اللازم لكل طور يقاس بأجزاء من الألف من الثانية، وبالطبع لا تستطيع العين أن تحلّل المعلومات القادمة إليها خلال زمن كهذا، وهذا يثبت أن الرسول الكريم يحدثنا عن أشياء لم نتمكَّن من رؤيتها إلا بأجهزة التصوير المتطورة والتي تلتقط أكثر من ألف صورة في كل ثانية (2).
هنالك عمليات تحدث داخل البرق وهي محلّ اتفاق من قبل جميع العلماء، ويمكن رؤيتها اليوم بفضل هذه الكاميرات الرقمية المتطورة، كما يمكن اعتبار هذه العمليات كحقائق يقينية لا شكّ فيها. وعلى الرغم من التطور التقني الكبير لهذه الأجهزة تبقى المراحل الدقيقة للبرق لغزاً محيراً للعلماء.
في ظل الظروف السائدة داخل شعاع البرق لا يمكن لأي جهاز أن يتحمل ضخامة الحرارة والتوتر العالي جداً. فدرجة الحرارة تصل إلى 30 ألف درجة مئوية، أي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس! ويصل التوتر الكهربائي إلى ملايين الفولتات، وبالتالي تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسة وأكثرها تعقيداً، لأن زمن المراحل التي تشكل ومضة البرق من مرتبة المايكرو ثانية، أي جزء من المليون من الثانية، وهذه صعبة
المفضلات