تابــــــــــــــــــــــــــــع فتح نهمشير
فتوح الإيوان ودخول المسلمين في الدجلة وفتوح إسبانير
قال الواقدي: حدثني عمرو بن تميم.
قال: بلغنا أنه لما عبرت المسلمون تحامت الفرس وقاتلت قتالًا شديدًا وحمت أنفسها وعولت على أن تقاتل إلى أن تموت وهم خواص الملك وأصحاب الإيوان والحصون والقلاع ومقدمهم شهريار بن ساور فطعنه خالد بن نمير في عينه ففقأها وانثنى عليه بضربة بالسيف فقتله وإذ فاجأتهم خيالة من نحو الإيوان وقالوا لهم: عمن تقاتلون فإن الملك هرب بأمواله وأهله وخدمه.
قال فلما سعوا ذلك ولوا الأدبار ولم يكن بالمدائن أعجب من عبور المسلمين إليها وسموا يوم عبورهم الدجلة يوم الجراثيم لأنه لم يكن أحد يعبر إلا ظهرت له جرثومة يسير معها وهي من القش المربوط حزمًا.
قال قيس بن أبي حازم: خضنا الدجلة وهي تطفح.
فلما توسطناها كان يصل الماء من الفرس للحزام.
فلما نظرت الفرس إلى ذلك والمسلمون يعبرون من غير مشقة جعلوا يقولون بالفارسية: ديمور يعني جاء الجن وقالوا: والله ما أنتم تقاتلون إنسًا إنما تقاتلون جنًا فانهزموا وأراد المسلمون الدخول إلى الإيوان فمنعهم سعد من ذلك.
وقال لهم: إياكم والعجلة في الأمور فإنها تورث الندامة وإني أخاف أنها من بعض مكايد العجم فلم يدخل إليه أحد.
قال وتقدم سلام المجازي إلى سعد وكان غلامًا.
وقال له: أيها الأمير والله لقد أرضيت اليوم الله ورسوله وقتلت المقدم عليهم.
ثم إنه استشهد بقية رفاقه الستين فلم يشهد له أحد منهم.
فقال للغلام المجازي: والله ما قتلته فنكس الغلام رأسه وأراد أن ينصرف وإذ قد وثب رجل من الصحابة اسمه هاشم بن عتبة.
وقال لسعد: أيها الأمير أنا رأيته وقد قتل مقدم الفرس فصدقه سعد وأعطى الغلام سلبه.
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن بشر.
قال: حدثنا سليمان بن عامر قال: أخبرنا عبد الله أن يزدجرد الملك لما كان بأعلى الإيوان يوم خاض المسلمون الدجلة ورأى عبورهم والخيل لا ترجع والعرب لا تجزع والصحابة يتحدثون وهم في الماء كأنهم على الأرض أيقن بزوال ملكه وذهاب عزه فنزل وهو يبكي وأخذ من بيوت المال والخزائن من الثياب والآنية شيئًا لا قيمة له ولا يعرف له ثمن وترك ما بقي عنده من عدة الحصار من الزاد والبقر والغنم ومن كل الأطعمة والأشربة وكان أول من دخل المدينة القصوى مسكن الملك وهي إسبانير يعقوب الهذلي ومعه الكتيبة الخرساء كتيبة القعقاع بن عمرو فدخلوا يخترقون المدينة ولا يلقون أحدًا.
قال فعزم سعد على الدخول في المدينة القصوى لما أمر زهرة بن الجويرية أن يذهب بعسكره ويتبع المنهزمين وسير كتيبة أخرى مع المرقال فلحق بحاجب بن حجاب بن كسرى فخاطبه بالفارسية.
فقال: إن العرب قد عبرت إلينا ولم يعرفه فطعنه المرقال فقتله وأخذ غلمانه أسرى وموجودهم وأتى به إلى سعد.
ويقال أحد مرازبة كسرى الكبار كان يوم دخول العرب المدينة داخلها وكان غير مكترث بهم فخرج إلى ظاهر داره ورجع يريد منزله وإذا بغلمانه وهم خارجون من الدار يهرعون وقد أخرجوا الأمتعة فقال: ما لكم.
قالوا: إن الزنابير قد غلبت على منازلنا فأخرجتنا قوة.
قال واشتد الصياح والبكاء والعويل من أهل المدينة وهم يلطمون على وجوههم.
فلما رأى المرزبان ذلك أخرج لامة حربه ولبسها وأتوه بجواده فشده وأسرجه فانقطع ثلاث مرات فمر به فارس من العرب فطعنه.
وقال: خذها وأنا ابن المخارق ومضى عنه ولم يلتفت إلى سلبه.
قال ودخل سعد يطلب الإيوان.
فلما دخل المدينةدخلها وهو يقرأ {وأورثناها قومًا آخرين} [الدخان: 128].
فلما دخل الإيوان ترتجل وصلى فيه صلاة الفتح ثمان ركعات لا يفصل بينهما واتخذه مسجدًا.
قال وكان في الإيوان تماثيل وصور فتركوها على حالها.
قال وأتمم سعد الصلوات من يوم دخل الإيوان.
فإنه أراد المقام بها وجمع وكانت أول جمعة صليت بالعراق وبالمدائن في شهر صفر.
ثم إن سعدًا تحول من الإيوان بعد ثلاثة أيام إلى القصر الأبيض وأقام سعد على قبض أموال الغنائم عمرو بن عمرو بن مقرن وأموه أن يجمع ما في القصور والإيوان والخزائن والدور والأسواق وأن يحصيها وكان أهل المدائن لما رأوا العرب في أرض واحدة خرجوا فرارًا وأخذوا معهم ما قدروا على حمله وما انفلت أحد منهم بشيء إلا وأخذه منهم المسلمون وأتوا به إلى سعد نتسلمه عمرو وصيرها في جملة ما جمعوه من الأموال وكان أول شيء جمعوه يومئذ بالقصر الأبيض ثم منازل كسرى وسائر دور المدائن.
قال جهد بن صبار: دخلنا المدائن فمرركا بأبيار عليها أغطية من رصاص فظننا أنها طعام ففتحناها.
فإذا هي أوان من ذهب وفضة ورأينا كافورًا كثيرًا فحسبناه ملحًا فما اعتبرناه وقال: وخرج زهرة في طلب المنهزمين فانتهى إلى جسر النهروان وإذا عليه كثير من الفرس بأعظم عدة وأحسن زينة وهم يزدحمون على الجسر.
قال ووقع بغل في الماء فتكاثروا عليه وصاح بعضهم على بعض.
قال ووقع منهم بغل آخر فصاروا في هرج ومرج.
فلما رآه المسلمون قال زهرة: إن لهذا البغل لشأنًا وما تكالب عليه القوم وصبروا مع ما في قلوبهم من الخوف إلا لأمر عظيم.
وقال: احملوا عليهم وابذلوا فيهم السيوف.
قال: فحملنا عليهم حملة صادقة فقتلنا منهم أناسًا كثيرة وولى الباقي منهزمين وأخذنا البغل وإذا عليه حلة كسرى وثيابه ودرعه ووشاحه التي كان فيها الجوهر وكان يجلس بها للمباهاة.
قال: فأتينا بها قال سهل بن سابق: لما أخذنا البغل وأتينا به لم ندر ما عليه وعن يعقوب عن جده.
قال كنت مع من خرج في طلب المنهزمين وإذ نحن ببغلين مع اثنين وهما يرميان كل من يقربهما بالنشاب ولم يجسر أحد أن يدنو منغمًا فقصدتهما وحملت عليهما وقتلتهما وأتيت بالبغلين إلى صاحب الأقباض وهو يكتب كل ما تأتي به العرب من سائر العراق.
فلما أتيته بالبغلين قال لي: على رسلك حتى ننظر ما معك.
فحطيت عنهما.
فإذا في الحمل الواحد تاج كسرى وجواهره وفي الحمل الثاني ثيابه وهي موشحة بالذهب منظومة بالدر وعن محمد بن طلحة والمهلب قالا: خرج القعقاع في طلب المنهزمين فلحق بفارس من الفرس وهو يكر على قوم من المسلمين وقد جزعوا منه وما أحد منهم يدنو إليه فقصده القعقاع بشدة عزمه وقال له: دونك أيها الكلب اللئيم لقتالي وطعنه فقتله ووجد معه عيبات مغلقات ففتحوها.
فإذا بالعيبة الواحدة خمسة أسياف وفي الأخرى خمسة أسياف محلاة بالذهب ودروع كسرى من أيام غزواته لهم وأما السيوف فكانت سيف كسرى وسيف هرقل وسيف مهمود وسيف خاقان وسيف النعمان بن المنذر.
فلما رآها سعد قال: يا قعقاع خذ أي سيف شئت وجاهد به العدو فأخذ سيف هرقل وأعطاه درع بهرام جور وأما بقية الأسلاب فأعطاها للكتيبة الخرساء إلا سيف كسرى والنعمان فأمسكهما لأمير المؤمنين يرسلهما مع الخمس والتاج والثياب وعن رجل من الصحابة قال: كنت مع الناس في طلب المنهزمين من خيل كسرى فبينما أنا على طريق إذا برجل ومعه حمار وكان راكبًا عليه فلما رآني ترجل وجعل يحث حماره على السير حتى انتهى إلى نهر قد خرب فلم يمكنه العبور فدنوت منه فأخذ يرميني بالسهام فزغت عن رميه وحملت عليه فقتلته وأخذت الحمار ووجدت آخر ومعه حمار فتركه وانهزم فأتيت بهما إلى صاحب الأقباض.
وإذا على أحدهما فرس مصوغ بالذهب والفضة مرصع بالدر والجواهر ولجامه كذلك وسرجه كذلك وعليه فارس كذلك وإذا على الحمار الآخر ناقة من فضة وعليها كور من الذهب مرصع ولها زمام من ذهب وكل ذلك منظوم بالياقوت وعليها رجل من ذهب مرضع بالجواهر وكان كسرى يضيفهما للتاج وكان يباهي بهما ملوك الأرض.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــع
فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي
المفضلات