أراه غريباً ذلك الذي يحدث في رمضان وقبيل رمضان استعداداً للعبور إلى هذا الشهر الفضيل. ولعلّ هذه الغرابة نابعة من عبورنا إليه مدججين بعدد من المسلسلات والبرامج والمسابقات وتراكم المواد الغذائية على نحو غير معتاد. ولست بحاجة هنا إلى استلهام التاريخ لأبين للصائم وغير الصائم أن كثيراً من الانجازات العظيمة قد تمت في ذلك الشهر الفضيل والناس صائمون. لن أذكرهم بفتح مكة ولا ببدر ولا بحطين ولا بحرب رمضان سنة 1973م.
بل أريد أن أقول إن هذا الكم الهائل من وسائل الترفية والتسلية وقتل الوقت الذي أنجز من أجل رمضان وباسمه ما كان ينبغي له أن يقترن بهذا الشهر الفضيل، هذا الشهر القادم إلينا في كل عام، وفي صيامه أداء لركن هام من أركان ديننا الإسلامي الحنيف، وفي أيامه موسم من العبادات والصدقات وصلة الأرحام ليس له مثيل.
لماذا يحدث هذا في رمضان؟ وما معنى أن يتسابق منتجو المسلسلات والأعمال الفنية لإعداد إنتاجهم وطرحه للعرض خلال أيام الشهر الفضيل؟ قد يقول قائل أن تلك الأعمال الفنية الهابطة منها والجيدة موجهة إلى الصائم كي تسليه وتبعد عنه السأم والملل وخاصة في نهار صيفي طويل. ولكن، هل من الجائز أن يتسلى الصائم بالفرجة على أعمال فنية التماساً لقتل الوقت وزوال النهار وصولاً إلى لحظة الإفطار؟
إن الصوم واجب يقوم به المسلم التماساً لرضوان الله وطاعته، متحملاً خلاله الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى الغروب، متقرباً به إلى الله بالنوافل والصدقات وصلة الأرحام، دون أن يؤثر ذلك على واجبه نحو الحياة من عمل وعلم وكسب للرزق الحلال، وعدم الإخلال بالتزاماته الحياتية كاملة غير منقوصة. فإذا اختلّ أحد هذه الواجبات من أجل الصوم، فلا ينبغي أن نبرر ذلك الخلل تحت غطاء الصيام... يتكاسل الموظف في عمله ويقول: لأنني صائم. يهمل العامل عمله في الحقل أو المصنع أو في أي مكان آخر ويعزو ذلك إلى الصوم. يعود الرجل إلى بيته متاففاً ويطلب من الأولاد أن يفتحوا له التلفاز على أحد المسلسلات أو البرامج المسلية طلباً لقتل الوقت في ساعات النهار الطويل. تسرف المرأة في إعداد الطعام وتخزينه وتكثر من الأطباق الشهية تحت مظلة الصوم، وأن الصائم طول النهار لا بد أن يأكل الكثير ومن أصناف شتى من الطعام.
لماذا تعد المسلسلات وتنتج خصيصاً لرمضان؟ ولماذا تعد المسابقات الدينية وغير الدينية على نحو مكثف في رمضان؟ ولماذا تعد البرامج الكثيرة التي تحمل اسم رمضان دون مبرر أو مسوغ موضوعي. رمضان معنا أحلى على سبيل المثال هذا البرنامج المتكرر منذ سنوات عديدة هو برنامج مسابقات يعطي الجوائز الكثيرة والثمينة أحياناً بعد الإجابة على أسئلة غاية في البساطة: مثل ما هو الحيوان المرافق لأهل الكهف؟ وصاحب الحظ هو المتصل أولاً ما علاقة كل هذا برمضان؟ وحتى اسم البرنامج غريب أيضاً كيف يكون رمضان معنا أحلى؟ وهل هو مع غيرناً مرٌ وليس كذلك؟ هذا هو بعض ما يحدث في رمضان والقائمة تطول وعفواً ومعذرة يا شهر رمضان الكريم.
يوسف الغز
المفضلات