يستغرب المفكر العربي أ.د. ناصيف نصّار «إلى أي حد يتكلم العرب عن «العدل»، فيما لا يرى جهداً نظرياً واحداً عن العدل من زاوية فلسفية؟ أي جهد نظري ينير للعرب طريقهم في معركة إحقاق الحق والمطالبة بحقوقهم». (د. ناصيف نصّار في مقال له بعنوان: «العلاقة بين الاختلاف والحضارة»، مجلة «المنتدى» المجلد الخامس والعشرون، ص 18، ديسمبر 2010م).
«إستغرابٌ» في محله، فالعرب -مع الأسف- غير معنيين بهذه «القيمة الإنسانية» التي احتفت بها الديانات السماوية. يتحدثون عنها مجرد حديث، بينما على أرض الواقع الذي يعيشونه ثمة «ظلم» وثمة «ابتزاز» و»فساد»!. يطالبهم د. ناصيف نصار - وهو محق- «أن يفرضوا رأيهم وموقعهم في هذا العالم».
والسؤال: كيف يمكن أن يفعلوا ذلك و»الخُلْف» بينهم يتزايد، و»التشرذم» على أشده!؟. يستغرب هذا الباحث والمفكر كيف لا يمتلكون «ثقافة الحرية والعقل والعدل» كيف لا يرفعون «ظلماً» عنهم طال عليه الزمن. كيف لا يجعلون من «الحرية» أولويتهم في الحياة الإنسانية!.
العرب -يا سيدي- غير معنيين - للأسف- بِ»الأولويات الإنسانية» لأنهم لو كانوا على مستوى هذه «الأولويات» في علاقاتهم البينية لما كانوا على هذه الحالة المزرية من الضعف والهوان! هم غير معنيين بخوض «معركة الحق»، فهذه المعركة مقدسة لا يطيقها من لا يستطيعون السيطرة على «الخلافات» فيما بينهم. هم -إلا القليل منهم- لا يعطون «قيمة العدل» في العلاقات الإنسانية حقها. ولو أنهم فعلوا ذلك لما كان هذا «الهوان» الذي يعيشونه! ثمة شواهد كثيرة تؤكد هذا الواقع العربي البائس الذي نحياه.
فالعلاقات الإنسانية العربية /العربية لم ترقَ إلى المستوى المطلوب. هناك عقبات تعترض هذه العلاقات. هناك «مخاوف» غير مشروعة يتشبث بها هذا الفريق أو ذاك ليُبقي على هذه العلاقات منغلقة أو متوترة. ولن تزول هذه العقبات إلا حين نُرسخ «ثقافة الحرية» في الأوطان العربية. لن تزول هذه العقبات إلا حين نطرد الشكوك والمخاوف التي تساور الواحد منا تجاه أخيه. «القيم السُّلطوية» هي الحاضرة اليوم في الكثير من مجتمعاتنا، وهي نفسها التي تتحكم في «ثقافة الحرية». صحيح أن هناك «أدبيات» تتحدث عن «المفردات العامة» للحرية ولكن الصحيح أيضاً أن هذه «الأدبيات» لا تمتلك قوة تنفيذية على الأرض. هذه «الأدبيات» -رغم الشغف بها- إلاّ أنها في كثير من الحالات أوجدت «خصومة» بين «الحرية» وبين نقيضها من مفاهيم غامضة، تُبرر «الاستسلام» وتُغيب «الحقيقة».!
لم يكن د. ناصيف نصار مُجانباً الحقيقة حين استغرب كثرة «تداول» هذه الكلمة الممتلئة «الحرية» على المستوى العربي في حين تغيب عن سلوكنا الإنساني!.
وهنا أقول ما أكثر القيم التي تلوكها ألسنتنا في حين لا نرى لها حضوراً على أرض الواقع!. حماستنا أو حماسة الكثيرين منا متدفقة حولها، ولكنها الحماسة «الرومانسية» -إذا جاز التعبير- لأنها غير مقنعة بل متكلفة!. إنها «الحماسة» المشبوبة التي تدفع الكثيرين منا إلى ترديد «الشعارات الجاهزة» التي تتغنى بهذه القيم والتي باتت تُحفظ عن ظهر قلب، في حين الماثل أمامنا هو «التخلف» ومحاربة «المفاهيم الإنسانية».
الماثل أمامنا هو «البيروقراطية» التي تزدري القيم الإنسانية ولا يعجبها طرح التساؤلات المشروعة التي تتعلق بإنسانية الإنسان.
المفضلات