تابــــــــــــــــــــــــع فتوح العراق
قال الواقدي: ولم يزل القتال بين المسلمين والكفار إلى أن فرق الليل بينهم فرجعت كل طائفة إلى مكانها فلما رجع رستم إلى سرادقه بعث غلمانه إلى مقدمي عسكره فحضروا.
فقال لهم: لقد خذلتم ونزل بكم العار والبوار فما الذي خذلكم وأفي شيء شغلكم ونزل بكم وأنتم أولو البأس الشديد والأمر العتيد وهؤلاء قوم كنا لا نعبأ بهم ولا تحدثنا أنفسنا عنهم بأمر وقد خذلوا فرسانكم وأوردوهم موارد الهلاك وقتلوا منكم الصناديد فبأي وجه ترجعون إلى المدائن وبم تحتجون عند الملك أزدشير وإني أرى دولتكم قد انصرمت وأيامكم قد انقضت.
فقالوا: أيها السيد لقد بلينا بقوم لا يرهبون الموت ولا يجزعون من الفوت وكلما طعنا صدورهم تقدموا وكلما قفلنا جموعهم صدموا.
فقال رستم: ما أرى من الرأي إلا أننا في نصف الليل نكبسهم فلعلنا نظفر بهم ويكون لنا عند الملك اليد البيضاء فاستصوبوا رأيه وافترقوا لأجل أن يصلحوا شأنهم.
قال الواقدي: حدثنا عامر بن سويد.
قال: لما رجعنا من قتال العدو إلى خيمة سعد رأيناه جالسًا على التراب فلما رآنا قال: مرحبًا بقوم هجروا الدنيا وطلبوا العقبى كيف كان يومكم.
قلنا: لقد شفينا نفوسنا من الأعداء ونصرنا شرع نبينا المصطفى ولقد رميت منا رجال كثيرة من المسلسلة بنشابهم.
فقال سعد: اجمعوا إلي العسكر جميعه وأمر غلمانكم أن يجمعوا الشيح والقيسوم فإني أريد أمرًا أرجو لكم به النجاة من الله قال ففعل القوم ذلك.
فقال للموالي: اجعلوا ما جئتم به من الشيح والقيسوم على ظهور الإبل ووجهوها نحو المسلسلة.
فإذا قربتم منها فأضرموا النار في ظهور الإبل والذعوها بأسنة الرماح حتى تدوسهم ونحن من ورائكم بسيوفنا.
قال ففعلوا ذلك فلما أتى الليل تقدموا أمام العسكر بالأموال والموالي من ورائهم إلى أن قربوا من المسلسلة وأطلقوا النار في الشيح ولذعوها بالأسنة فلما رأت الجمال ما على ظهورها من النار وما حل بها الأسنة داست صفوف المسلسلة دوس الحصيد وحطمتها على وجه الصعيد وركب الأمير سعد مع الجيش ووضعوا السيف فيمن بقي من المسلسلة فبينما هم كذلك وإذا بعساكر الفرس قد أتوا وارتفع الضجيج وعلا العجيج وسميت تلك الليلة بليلة الهديرة ولم يزالوا في القتال إلى الصباح.
قال وسمعت قائلًا يقول: كفيناكم فقلت: من أنتم فقالوا: نحن من خزيمة النخع ولم يزالوا يقاتلون حتى ما بقي منهم أحد ولا بقي لهم نسل فلما طلعت الشمس وركب رستم بن إسفنديار وركب جيشه عن آخرهم ووقفوا بأجمعهم فاستقبلهم الموحدون وسعد يتخلل الصفوف ويعظهم ويوصيهم أي الأمراء وكان في الليل قد طاف على العسكر فرأى أبا محجن الثقفي يشرب الخمر وقال له: عدو نفسه لقد محوت أجر جهادك وعبادتك والله لآخذن منك حق الله وجلده الحد وقيده.
قال الواقدي: أخبرنا يوسف بن عمر قال الأسدي عن طلحة ومحمد قالوا: إن أول من فتح الحرب رستم وطلب البراز فخرج إليه نجيبة فقتله فخرج زهير فقتله فأراد القعقاع أن يخرج وإذا بفارس قد أقبل إلى رستم وهو كالريح في هبوبها فصاح برستم صيحة أدهشته وطعنه في خاصرته فأطلع السنان من الخاصرة الأخرى فنظر إليه سعد فإذا هو أبو محجن وقد صنع ذلك برستم قال المتوكل عليه: سألتك بالله أن تتركه.
قال الواقدي: حدثنا يوسف بن عبد الأعلى قال: حدثنا عمر بن إبراهيم عن عبد الله بن المبارك قال: لما نزل سعد بن أبي وقاص على القادسية وقاتل عسكر الفرس وانهزمت الفيلة إلى المدائن وكان سعد رضي الله عنه يتنكر في الليل ويمشي في عسكره فمر في بعض الليالي برجال من ثقيف فوجد أبا محجن وهو يشرب ويترنم على خمرته فلما رآه غضب وقال له: لقد ذهب أجرك ونقص قدرك بعد جهادك للكافرين تتعرض لغضب رب العالمين أترضى لنفسك بذلك ثم إنه حده وقيده وجعل عليه من يحفظه فلما كان من الغد ووقع الزحف وبرز فارس العجم وكان منه ما ذكرناه عاد إلى القيد فلما قتل رستم بمشاهدة الناس أتى إليه سعد ليعلم حقيقة الأمر فوجده في القيد.
فقال له يا أبا محجن: أنت صاحب الفيلة.
فقال: الفضل لله ولرسوله فأقسم عليه فحدثه بحديثه.
فقال له: إذا كان هذا صنيعك فاذهب فقد عفوت عنك ومن قال الواقدي: حدثنا زائدة عن جده مروان بن أوس.
قال: كنت بالقادسية وشهدت فتحها فلما قتل رستم وولده عجزشير وولت الفرس على عقبهم لا يلتفت أحد منهم إلى ما وراءه من الأموال والأصحاب وما لهم قصد إلا السلامة لأنفسهم وأتى نساء المسلمين ومعهم الماء فحزن بين القتلى والجرحى فمن وجدنه من المسلمين فيه الرمق سقينه الماء ونضحن على وجهه وينقلن من قتل من العرب إلى العرب ويتركن رمم الفرس.
قال الواقدي: حدثنا سليمان بن بشر عن أم كثير امرأة همام بن الحرث قالت: شهدت القادسية مع سعد فلما نزل النصر وانهزمت الفرس شددنا ثيابنا وأخذنا الماء وابتغينا القتلى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ومن كان من المشركين أخذنا ما عليه.
حدثنا الحرث عمن أدرك ذلك.
قال: لم يكن من قبائل العرب أكثر نساء من نساء بجيلة والنخع وكانوا في ألف وسبعمائة امرأة.
قال: وأخذت المسلمون عدة لم يروا مثلها وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد وسفيان بن سليم والمهلب بن غزوان والقادح بن عنبسة ونعمان بن نعيم وأربعون رجلًا من المهاجرين والأنصار وسنذكر من قتل مضن كانوا يقرؤون القرآن إذا جن الليل كدوي النحل.
قال وأخذ المسلمون من الأموال ما لم ير مثله ولما كان بعد الفتح بيوم جاءت النجدة التي بعثها عياض بن غنم من أرض الموصل وجاء من شهد الفتوحات بالشام مع عامر بن الجراح وكان الذين قدموا سبعمائة فلما وصلوا إلى عين التمر استعجل للنصرة فترك الجيش وسار في سبعين فارسًا وأتت بقية السبعمائة بعد ذلك وكان معه قيس بن عبد يغوث وقيس بن أبي حازم وسعيد بن نزار ومالك الأشتر النخعي فتقدم هاشم وقيس معه في السبعين.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــع
فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي
المفضلات