انتقال الحراك إلى المخيمات وأزقة الشوارع يعكس مخطط تخريبي إقليمي
الأردن ... لعبة الخطوط الحمراء في صراع الإصلاح
صحيفة الحقيقة الدولية – عمان – كتب محرر الشؤون السياسية
كم جميل هذا الوطن، الذي يسعى جاهدا لأن يكون عونا لجميع الأشقاء العرب، وكل محتاج في كل مكان، حتى غدا كما الحضن الدافئ الذي تتسابق إليه كل عيون تجهش بالبكاء.
الأردن، لعبة الخطوط الحمراء، عنوان مرحلة من العمر خطتها هذه الدولة في علاقاتها مع غيرها من الدول سواء كانت دولا شقيقة أو صديقة، حيث انطلقت هذه "اللعبة" من الأرض المحلية، عندما كان يعلن دائما بأن "المواطن خط أحمر، وأن أمن الوطن خطر أحمر، وأن ... وأن...".
جملة "خط أحمر"، طالما بعثت في داخل متلقيها الأمن والأمان، خصوصا وأنها كانت تأتي في خضم حراكات قد تهدد استقرار وأمن الوطن، أو لقمة عيش المواطن، وحياته اليومية، سواء في مطعمه أو صحته أو تعليمه، أو حتى في علاقته بالآخرين.
هذه الجملة، التي تغنى بها جلالة الملك عبدالله الثاني، كلما أراد أن يوجه رسالة إلى المواطن الأردني، رسالة اطمئنان، أن مصلحته وحياته هي صوب عين جلالته، ويوجه الحكومة أيا كانت للعمل وفق رؤية تخدم الأردني أينما كان.
"خط أحمر"، لم تكن يوما مقتصرة فقط على الشأن الداخلي، فطالما اعتبر جلالة الملك أن القضية الفلسطينية "خط أحمر" بالنسبة للأردن، وإن الحل على حساب الأردن "خط أحمر"، لن نقبل به.
ومن جلالة الملك، انتقلت مفردة "خط أحمر" إلى جميع المسؤولين بدءا من رئيس الوزراء، وانتهاء بمدراء الدوائر الرسمية وغير الرسمية.
فعندما يريد أن يتحدث مسؤول مثلا عن ارتفاع الأسعار، سواء كانت أسعار نفطية أم تموينية، يقول أن لا رفع للأسعار، فمعيشة المواطن "خط أحمر"، حتى في المسيرات والمظاهرات، يقولون أن "الديمقراطية خط أحمر".
ما هي قصة "الخط الأحمر"، ولماذا لا يقال خط أبيض، فقد يكون أكثر نصاعا، أو يقال خط أخضر، فهو أكثر بهجة، أو خط سماوي، حيث الهدوء والسكينة.
وزير الخارجية ناصر جودة، أكد في تصريح صحفي أن ما يجري الآن في سوريا هو أمر مقلق ومؤسف ومحزن ونتمنى أن تعود لغة الحوار وان تنجز الإصلاحات التي تضمن خروج سوريا من هذا المازق، مشيرا إلى أن وحدة وأمن واستقرار سوريا هي "خط احمر بالنسبة للأردن".
إن العبث بأمن الأردن، بالنسبة لنا خط أحمر، لن نسمح للآخرين بأن يتناوبوا على تهميشه ودحره، من خلال مطالب حق أريد بها باطل، خصوصا وأن هناك تحذيرات رسمية من عواقب وخيمة جراء تراجع واضح في الدخل من العملات الصعبة إلى المملكة، بعد أن شهد الأردن خلال الشهور الماضية انخفاضاً في الاحتياطات من العملات الأجنبية والدخل السياحي وحوالات المغتربين الأردنيين العاملين في الخارج، ما يعني أن الوضع الاقتصادي في ترد واضح.
قبلنا، وشاركنا، في مسيرات تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتطالب برحيل حكومة معروف البخيت وحل مجلس النواب، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، لأنه لا يمكن لأي عاقل أن يرفض مثل هذه المطالب، ويقف معها، لأن فيها نهضة للمواطن أينما كان، وحماية لمقدرات البلد من عبث العابثين.
وقلنا في أكثر من مكان، أن الحركات الإصلاحية ظاهرة صحية وشكل من أشكال الديمقراطية التي يستطيع من خلالها المواطن أن يعبر عما يجول في مخيلته بعد سنوات عجاف كان يعيش فيها تحت وطأة القمع والترهيب.
لكن أكدنا في ذات الوقت أنه لا يجوز لأي كان أن يعبث بمصالح الوطن والمواطن، تحت ذريعة الديمقراطية، وقلنا أن من شأن ذلك أن يدمر البلد لا أن يحميها، وهذا سلوك لا ينم على رغبة في الإصلاح خصوصا إذا ما كانت هناك علاقات تربط بعض القائمين على مسيرات الإصلاح بجهات خارجية.
نقبل أن تخرج مسيرة من مسجد بعد صلاة يوم جمعة، أو يكون هناك اعتصام في مكان ما، لا رمزية له أو بعد سياسي، كما كان يحدث على دوار الداخلية الذي يعتبر شريان رئيسي للعاصمة عمان.
ومن الطبيعي أن تجوب المسيرات كافة الشوارع، وهي في طريقها لحصد الإصلاح، لكن المشكلة تكمن في أن تأخذ هذه المسيرات بعدا رمزيا أو سياسيا، فعندها لم ولن تعد مسيرة تطالب بالإصلاح أو تدعو لنهضة البلد.
وحتى نكون أكثر وضوحا، فإن المتابع لتطور الحراك الشبابي والنقابي والسياسي في الشارع الأردني، يستطيع أن يقرأ جيدا ما وراء الحدث، فمن يستطيع أن يفسر أن تقرر اللجان الشبابية التنسيقية تنفيذ اعتصاما متجولا مع شموع في أسواق مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين.
وماذا يعني أن تنفذ هذه اللجان أول اعتصام سياسي بتاريخ منطقة حي نزال منتصف الأسبوع الماضي، ضمن مسلسل التصعيد الشبابي الذي ينوع ويوزع ويصعد في رسائله الهادفة لأصحاب القرار.
في نشاطي حي نزال ومخيم الوحدات شارك نحو 200 شخصا، فقط (50 في حي نزال) و(150 في الوحدات)، وهو عدد أصاب منظمي الاعتصامات بخيبة أمل كبيرة جدا لم يسبق لها مثيل، بل اكتشفوا أن أوراقهم باتت مكشوفة، فلا يوجد عاقل يقرأ اعتصام مخيم الوحدات بشكل بريء وغير مسموم.
إن التوجه للاعتصام في أماكن تضم بين ثناياها لاجئين فلسطينيين، يعكس سوء النية لدى منظمي الاعتصامات والمسيرات الذين يجهدون في ابتداع أفكار، تضر ولا تفيد ولو أنهم سخروا خططهم وجهودهم في التفكير لصالح تنمية ونهضة الوطن لكان الأمر قد اختلف.
إن اللعب على وتر الإقليمية والعنصرية هو لعب بالنار، وهو "خط أحمر" ليس عند الملك أو الحكومة فقط وإنما "خط أحمر" عند المواطن، الذي سيقابل هذا المخطط بمخطط آخر يساعده على تنظيف البلد من دنس المخربين، الذين يصطادون في المياه العكرة.
أبناء هذا الوطن في حي نزال ومخيم الوحدات، ضربوا موعدا جديدا مع الوطن والوطنية، وعكسوا حبهم لتراب الأردن، وحرصهم على استقراره وأمنه، فقد اكتشفوا اللعبة مبكرا ووضعوا حدا لها، ونحن هنا نشد على أياديهم، ونؤكد أننا نقف معهم في مواجهة المغرضين، فهم بالنسبة لنا كما الوطن "خط أحمر".
المصدر : صحيفة الحقيقة الدولية – عمان – كتب محرر الشؤون السياسية 9.8.2011
المفضلات