*** إسرائيل والمسجد الأقصى ..... !!! ***
حال اسرائيل من وجود الهيكل المزعوم (هيكل سليمان) تحت المسجد الأقصى مثل حال إدارة بوش من أسلحة التدمير الشامل المزعومة في العراق. لقد ظلت إدارة بوش تلفق الأكاذيب وتفبرك البيانات عن وجود تلك الأسلحة لضرب العراق واحتلاله وإزالة دولته: ولكن الأحداث والوقائع التالية للاحتلال (وبعد خراب البصرة كما يقال) أثبتت وبصورة قاطعة زيف ادعاءات الإدارة الأمريكية. وبالمثل، تروج اسرائيل وحاخامات اليهود في العالم، خرافات التوراة الخاصة بالهيكل، وانه موجود تحت المسجد الأقصى، وانه لا بد من تدميره للكشف عن الهيكل.
لكن اسرائيل التي ما كلّت ولا ملّت من الحفر في الأرض تحت المسجد وتحت القدس، لم تجد حرفاً أو حجراً او نصباً عبرياً واحداً ... هناك، في وضع حرج للغاية لأنها تخشى إذا هدمت المسجد، ولو بفعل فاعل مختل عقلياً، ان لا تجد أي أثر للهيكل ، وأن تكون النتيجة البرهنة بالدليل القاطع على زيف التوراة وحكاية أرض الميعاد، ووقوعه كالصاعقة على اسرائيل وحاخامات اليهود واليمين المسيحي الصهيوني في العالم .
إنني أعتقد أنه ليس أدباً أو تأدباً أو مجاملة لشعوب المسلمين عدم قيام إسرائيل إلى اليوم بهدم المسجد فإسرائيل لا تجامل مسلماً ولا تخشى الغضب الإسلامي (الهادر) لتبقي المسجد قائماً إلى اليوم ، أو لعدم قدرتها على فبركة حيلة أو أخرى لجعله ينهار، وإنما لخشيتها من وقوع ما ذكرت. لقد هدمت إسرائيل مئات القرى والمساجد من قبل ولم يفعل المسلمون شيئاً حيال ذلك . لكن هدم المسجد الأقصى تأبط شراً قد يقلب السحر على الساحر ويجعل من رواية إسرائيل القديمة والجديدة مجرد خرافة أدت إلى اقتلاع شعب من وطنه. ولعلها لذلك تقوم بالحفر تحته وتحت القدس القديمة بهدوء وبالتدريج وعلى مهل لتهيئة المسلمين لقبول النتائج، فالضفدعة تموت اذا وضعت في ماء حرارته أربعون درجة وتبقى على قيد الحياة فيه اذا رفعت الحرارة درجة درجة حتى المئة وكأن كل شيء إذا طال حضوره زاد قبوله.
ان قصص التوراة ليست سوى خرافات وفبركات لا تمثل التاريخ الحقيقي لليهود ولكنهم يؤمنون بها وما يؤمن به المرء او الجماعة هو (بالنسبة إليهما) حقيقي. لو كان لليهود تاريخ فعلي في فلسطين، لعثرت اسرائيل بعد ستين سنة من البحث والتنقيب والحفر بعد قيامها، وواحد وأربعين سنة بعد احتلال القدس التاريخية على حرف، او حجر، أو نصب عبراني/ إسرائيلي واحد فيها كما أشرنا، وعلى الرغم من استخدامها للوسائل والأدوات كافة. لقد ظلت اسرائيل تبحث عن ذلك دون انقطاع منذئذ، ولا من مؤشر أو دليل ولذلك نراها تتردد في تدبير انهيار سريع ومتعمد للمسجد الأقصى خشية وقوع المفاجأة الصاعقة.
لو كان لدى اسرائيل مستمسك تاريخي واحد لما ترددت في ذلك، ولا صبرت عليه طيلة كل السنين الماضية، لأنه سيكون لاكتشاف الهيكل لو يقع دوي عالمي، وسيهب المسيحيون الصهيونيون في أمريكا وأوروبا لمباركة اسرائيل.
ومع هذا تنتظر اسرائيل انهيار المسجد والقدس القديمة لإزالة كل أثر إسلامي في القدس (وفلسطين) لتبني الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى ولتتخلص كذلك من الزحف الفلسطيني الأسبوعي المقدس او المظاهرة الفلسطينية الأسبوعية لأداء صلاة الجمعة فيه واستعادة القدس المحتلة مرة كل أسبوع من اسرائيل بسببه. لكن الزحف الأسبوعي الفلسطيني قد يستمر بقوة أكبر إذا انهار المسجد وأزيل. وقد يحول الشعب الفلسطيني المكان الى مصلى مثلما حول اليهود حائط البراق الى مبكى.
والحقيقة أن ما يُسمى بالمواقع اليهودية في فلسطين مثل قبر سيدنا يوسف وقبور الأنبياء (اليهود) في الحرم الإبراهيمي... من صنع المسلمين لا من صنع اليهود لأن المسلمين يؤمنون بهم أيضاً، ويقدسونهم ويتقربون اليهم، وقد استغلتها (المواقع) إسرائيل يهودياً وسياسياً، مع أنها فارغة منهم كما تبين لموشي ديان عندما فتح قبور الأنبياء في الحرم الإبراهيمي في الخليل بعد الاحتلال.
******* يتظاهر الحكام والسياسيون والكتاب... الفلسطينيون والعرب بالإصرار على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى قراهم ومدنهم في فلسطين التي هُجّروا منها، ويتظاهر اللاجئون بالتصديق والتصفيق.
لكن اسرائيل ومنذ سنة 1948م الى اليوم دمرت أكثر من خمسماية قرية ومدينة فلسطينية، وأزالتها من الوجود، وأحلت يهوداً مهاجرين محلهم. كما غيرت أسماءها، وبدلتها بأسماء عبرية أو يهودية قديمة لدرجة أن وكالات الأنباء،ومحطات الإذاعة، وقنوات التلفزيون والصحف ... العربية ، تردد كالببغاء تلك الأسماء العبرية/ اليهودية البديلة، ولا يكلف محرروها أنفسهم الرجوع الى أسمائها العربية، وكأن إسرائيل لم تنجح في تهجير أهلها فقط، بل تنجح في إبادة الذاكرة الفلسطينية والعربية لجغرافية او بلدات فلسطين أيضاً ، فعسقلان تصبح أشكلون، وبئر السبع تصبح بيرشيبا، وبيسان بيت شان، وهكذا. إن لم يكن ما يصدر عن الإذاعات والفضائيات والصحف... العربية والفلسطينية عاراً فهو اندماج في مسيرة الاندثار.
ونعود الى موضوع حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم فنقول: ليعود اللاجئون الفلسطينيون إليها غداً او بعد غد، يجب ان نرى حركة جارية على الأرض تُعدّها لاستقبالهم. ومن ذلك إعادة بناء المدمر وصيانة المايل منها، وترحيل المستوطنين المستعمرين منها وعنها إلى بلدانهم الأصلية التي جاءوا منها او إلى النقب. لكن لا شيء من ذلك يلوح في الأفق، فكيف يصر الجميع على حق العودة أو العودة وكأنها حادثة غداً أم أن رفض التوطين يكفي لإنجاز هذا الحق؟ وما بال الفلسطينيين واللاجئين بوجه خاص، والعرب والمسلمين بوجه عام، لا يدركون أن الزمن قد لا يكون لصالحهم مثلما لم يكن لصالح لاجئي الأندلس عندما هُجروا منها على يد نصارى الشمال ومحاكم التفتيش الاسبانية، أي إذا لم تتم العودة والذاكرة قوية، فالزمن قد ينتهي بقيام علاقات حسنة بين الجوار وطاردي آبائهم وأجدادهم من وطنهم مثلما هو حادث اليوم بين المغرب واسبانيا. يقول المثل: الزمن يجعل الحب ينقضي والحب يجعل الزمن ينقضي.
والواقع الآن يدل على أنه لا يوجد بيد اللاجئين من سلاح (وهو أقوى سلاح) لتنفيذ حق العودة سوى زحفهم السلمي الشامل والمتزامن ومن جميع الجهات إلى فلسطين وليكن ما يكون.
المصدر
جريدة الري الاردنية
حسني عايش
المفضلات