بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم :
تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به ، فإن أبا بكر الصديق سئل عن قوله : { وفاكهة وأبا } [عبس: 31] ، فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ؟ إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
وقال أبو عبيد أيضا : عن أنس ؛ أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر :
{ وفاكهة وأبا } [عبس : 31] ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر .
وقال عبد بن حميد : عن أنس ، قال : كنا عند عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وفي ظهر قميصه أربع رقاع ، فقرأ : { وفاكهة وأبا } فقال : ما الأب ؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف فما عليك ألا تدريه .
وهذا كله محمول على أنهما ، رضي الله عنهما ، إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب ، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل ، لقوله : { فأنبتنا فيها حبا وعنبا } الآية [عبس: 27، 28] .
وقال ابن جرير : أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها ، فأبى أن يقول فيها .
وقال أبو عبيد : سأل رجل ابن عباس عن { يوم كان مقداره ألف سنة } [ السجدة: 5] ، فقال له ابن عباس : فما { يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [ المعارج: 4] ؟ فقال له الرجل : إنما سألتك لتحدثني . فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه ، الله أعلم بهما . فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم .
وقال - أيضا - ابن جرير : عن الوليد بن مسلم ، قال : جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن ؟ فقال : أحرج عليك إن كنت مسلما إلا ما قمت عني ، أو قال : أن تجالسني .
وقال مالك ، عن سعيد بن المسيب : إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن ، قال : إنا لا نقول في القرآن شيئا .
وقال الليث عن سعيد بن المسيب : إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن .
وقال شعبة : سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال : لا تسألني عن القرآن ، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء ، يعني : عكرمة .
وقال ابن شوذب : حدثني يزيد بن أبي يزيد ، قال : كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام ، وكان أعلم الناس ، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت ، كأن لم يسمع .
وقال ابن جرير : عن عبيد الله بن عمر ، قال : لقد أدركت فقهاء المدينة ، وإنهم ليعظمون القول في التفسير ، منهم : سالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، وسعيد بن المسيب ، ونافع .
وقال أبو عبيد : عن هشام بن عروة ، قال : ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط .
وقال أيوب ، وابن عون ، وهشام الدستوائي ، عن محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني ، عن آية من القرآن فقال : ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن ؟ فاتق الله ، وعليك بالسداد .
وقال أبو عبيد : عن عبد الله بن مسلم بن يسار ، عن أبيه ، قال : إذا حدثت عن الله فقف ، حتى تنظر ما قبله وما بعده .
حدثنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم ، قال : كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه .
وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر ، قال : قال الشعبي : والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ، ولكنها الرواية عن الله عز وجل .
وقال أبو عبيد : عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : اتقوا التفسير ، فإنما هو الرواية عن الله .
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به ؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا ، فلا حرج عليه ؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ، ولا منافاة ؛ لأنهم تكلموا فيما علموه ، وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل أحد ؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به ، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه ، لقوله تعالى : { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } [آل عمران: 187] ، ولما جاء في الحديث المروى من طرق : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار" صحيح ـ سنن ابن ماجة . انتهى كلامه رحمه الله
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المفضلات