الإنترنت نعمة كبيرة، ورافعة كبيرة للحرية، وقد وفرت المواقع الإلكترونية الفرصة لكثير من الكتاب الّذين لا يمكن ان تنشر لهم الصحف اليوميّة أبداً، أو أولئك الّذي لا يسمح لهم بنشر مقالات بسقف عالٍ، وكذلك لناس عاديين يعبرون عن أنفسهم بالكتابة. لكن من خلال الدّخول إلى بعض المواقع الأردنية وقراءة التعليقات لاحظت ما يلي:
أولاً: الغالبية العظمى من المواقع الإلكترونية لا تراعي الموضوعية في إنزال التعليقات، بل وبدلاً من ان تعمل على حجب التعليقات الّتي لا تنتمي إلى أدب الحوار، والنقاش الراقي، فإنها قد تمنع تعليقات ناضجة، داعية إلى الوحدة الوطنية مثلاً، وهذا ما حصل معي شخصيّاً في أكثر من موقع، وللآن لم اعرف سبب المنع، وعقلي العربي القادر على تفريخ آلاف الاحتمالات، يقول ان الأمر لا يخلو من توجهات معيّنة من أجل شعللة البلد، وإشغال صغار العقول بالتوافه، وفي المقابل فإن تعليقات سيئة، ومشينة، ولا تنتمي إلى أي ذوق وأدب يتم إنزالها.
ثانياً: معظم المواقع يتعامل مع بعض المسوؤلين بناء على الأصول والمنابت، والجهات والانتماءات المناطقية، أو العلاقات، والمصالح، فنلاحظ ان مواقع معيّنة تفتح النّار على مسؤول معين، وحينما يغيب، ويأتي غيره، ولا يتغير شيء في مكانه، نجد ان الأمر يتغير، بل ويبدو ان هناك فريقا متكاملاً من المعلقين – المحترفين- الّذين يهاجمون شخصيات معيّنة، وتوجهات ما، وهم جاهزون للتعليق على أي موضوع وخدش الوحدة الوطنية، بل والإساءة إلى من يطالب بالديمقراطية، والغريب ان مظاهرة ما تحصل في منطقة ما وتكون سليمة دون أي تخريب، يصبح من فيها حسب المعلقين من المدسوسين الّذي يعملون على تخريب البلد، ومنفذي أجندات خارجية مشبوهة – حقوق الطبع في هذه الجملة محفوظة لحكومتنا الرشيدة واعتذر لأنني استعمل عبارات رسمية في مقالي- .
أمّا إذا حصل الأمر في منطقة أخرى، وقام المتظاهرون بحرق الأخضر واليابس، وإطلاق النّار، فإن الأمر لا يعدو كونه تعبير عن الظلم، ويمكن لأيّ كان ان يدخل هذه المواقع لير بعينه العجب العجاب، ويكتشف كيف يتم الكيل بألف مكيال.
ثالثاً: بعض المواقع تلجأ إلى ابتزاز بعض المؤسسات لتعلن فيها مقابل مبالغ مالية شهرية، وفي حالة الرفض فإن هجوما شرسا سينال تلك المؤسسة، وبمعنى آخر فإن التكنولوجيا الحديثة نقلت جزءاً من البلطجة وأخذ الخاوات من الشوارع، والحواري إلى فضاء الإنترنت، وبما انني خصصت هذا المقال للتعليقات فإن إدارات بعض المواقع تقوم بالكبس على زر معين ليتحرك عدد من المعلقين (لشل أمل تلك المؤسسة على حد تعبير أحد أصدقائي من الحفرتلية، وكتابة أخبار ملفقة يمكن ان تؤدي إلى تدميرها).
رابعاً: قد يأتي زمان، وتكشف الأيام وجود شبكة ضخمة من المعلقين المتفرغين الّذين يقبضون من جهات ما، وسيكون من الغريب ان هدف هؤلاء هو هدم الوحدة الوطنية، ومهاجمة الشرفاء، ومحاصرة أي مسؤول، أو مشروع لا ينتمي لمصالح من ينفق عليهم، كما ان هناك معلقين شرفاء، ولكنّهم ينساقون وراء القوم، ويتم دغدغة عواطفهم بقراءات خاطئة للواقع، أو معلومات مغلوطة، مع العزف على اوتار معيّنة تشعلل الغيرة الوطنية في قلوبهم، والنتيجة لا يعلمها الا الله.
الإنترنت نعمة كبيرة، ومهما كانت الخروقات الّتي تأتي من خلاله، فإننا نطالب بالمزيد من الديمقراطية، وبنشاط أكثر من الشرفاء، حتى لا نترك هذا الفضاء للبلطجية، وطالبي الاتاوات، والزعران الالكترونيين، والشّمس لا تغطى بغربال، والحرية قادمة لا محالة، ونحن شعب متعلم نستحق الأفضل، واكاد اقسم صادقاً ان جميع فئات الشعب الأردني يحبون بعضهم، ولو ترك الحال وحده دون تدخلات، أو برمجات، أو برامج معيّنة تسير من جهات، وأشخاص معينين، فإن هذا الشعب سيتلاحم بقوة تستحق الاحترام.
ربّما تأخرت الشّمس في الشروق لبعض الوقت، ولكنّها حتما ستشرق في لحظة ما.
مقالة منقوله لـــ
محمودٌ أبو فروة الرّجبيّ
المفضلات