هذه بعض أخبار البخلاء :
من الموصوفين بالبخل أهل مرو ، يقال : إن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشتري كل واحد منهم قطعة لحم ويشكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ، ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه ، فإذا استوى جر كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسما المرق .
قال عمر بن ميمون : مررت ببعض طرق الكوفة فإذا أنا برجل يخاصم جاراً له ، فقلت : ما بالكما ؟ فقال أحدهما : إن صديقاً لي زارني فاشتهى رأساً فاشتريته وتغدينا وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمل بها فجاء هذا فأخذها ووضعها على باب داره يوهم الناس أنه هو الذي اشترى الرأس .
قال رجل من البخلاء لأولاده : اشتروا لي لحماً فاشتروه ، فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبق في يده إلا عظمة، وعيون أولاده ترمقه . فقال : ما أعطي أحداً منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها . فقال ولده الأكبر : أشمشمها يا أبت وأمصها حتى لا أدع للذر فيها مقيلاً قال : لست بصاحبها . فقال الآوسط : ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدري أحد لعام هي أم لعامين . قال : لست بصاحبها ، فقال الأصغر : يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها سفاً . قال : أنت صاحبها ، وهي لك زادك الله معرفة وحزما ً.
وحكي بعضهم قال : كنت في سفر فضللت عن الطريق فرأيت بيتاً في الفلاة فأتيته ، فإذا به أعرابية فلما رأتني قالت : من تكون ؟ قلت : ضيف . قالت : أهلاً ومرحباً بالضيف انزل على الرحب والسعة ، قال : فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت ، وماء فشربت ، فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت فقال : من هذا ؟ فقالت : ضيف . فقال : لا أهلاً ولا مرحباً ما لنا وللضيف ، فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت فلما كان من الغد رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته ، فإذا فيه أعرابية فلما رأتني قالت : من تكون ؟ قلت : ضيف ، قالت : لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف ما لنا وللضيف . فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال : من هذا ؟ قالت : ضيف . قال : مرحباً وأهلاً بالضيف . ثم أتى بطعام حسن فأكلت وماء فشربت فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت ، فقال : مم تبسمك ؟ فقصصت عليه ما اتفق لي مع تلك الأعرابية وبعلها وما سمعت منه ومن زوجته ، فقال : لا تعجب إن تلك الأعرابية التي رأيتها هي أختي وإن بعلها أخو امرأتي هذه، فغلب على كل طبع أهله
المستطرف في كل فن مستظرف
وسلامتكم
المفضلات