لا يُصَدِّق أنّ هذا يَحدُثُ معه..!
هو الآن في زنزانةٍ أوسع من القبر بِقليل
نحن في آخرِ أيّار
درجة الحرارة تصل لأربعين
لا مُكيّف .. لا مِروحة .. لا ماء يبترِد بِهِ
هكذا يُمضي النهار والليلِ
وحيداً
فِراشُهُ إسفنجةٌ مُستطيلةٌ غير مَكسُوَّةٍ بشيء
ولا وسادة..!
عليهِ أن يمضي يومه وليلته .. بلا قهوة ..بلا سجائر..بلا كِتاب ..بلا أهله..بلا صديق ..بلا وجه حبيبته.. بِلا أيّ عَمَل
سوى التفكير..
هذه المرّة مضت ثلاثة أيامٍ دونَ تحقيق
كان التحقيقُ مُتَنفّسهُ الوحيد
ففيه يتحدّث مع "إنسان"، ويجلس مقابل مُكيّف الهواء .. ويحظى بالقهوة .. وبعض السجائر !
ويمسك بالقلم ليوقّع .. ثمّ يبصم على أقوالِهِ..!
ودخلَ معه السجنَ عِراقيٌ ضلّ عقلهُ
في الزنزانة المجاورة..
كان العراقي يجأرُ بأعلى صوتِهِ .. " أروح يَم أمّي ..آكُل كوسا .. أشرب تشاي..يم دجلة..ياناس ..يا عالم.. هِدّوني" !!
أراد لو استطاع أن يخترق جدران الزنزانة وينهال على ذلك العراقي ضَربَاً ..
"إحنا ناقصينك" !!
لأسبوعين كاملين لم يغتسل .. إطلاقاً
لم يقضي حاجتهُ ..!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فلو أكلَ شاةً لما كَفَت عضلات وجهه !
وهذه المرّة عِندما فتح الحارس باب زنزانته ليدفع لهُ بالطعام كان وجهه شاحِباً
وكانت الوجبة مميّزة .. فيها تُفّاحة !
أمسك بالتفاحة..
حمراء !!
تأمّلها قليلاً، ثمّ اعادها للطبق.. " ما بِدّي آكل"
: "يُستر عرضك، تبلشناش بإضراب.. لازم ترجع الصينيّة فاضية"
أمسكَ بالتفاحة وغرزَ اسنانه فيها، فما لبثَ أن شعرَ بِعُصارات معدته تتحرّك للأعلى..
: " مش قادر آكُل .. إحكيلهم مِش قادِر..!"
المفضلات