لم اكن طالبا مجتهدا في مدرستي، ولا مميزاً بأكثر من أني "صاحب شِلّة" و "راعي غُرزِة" !!
للآن لا يوجد ممن لم يرني منذها أن يُصدق أن أكون أنا الآن .. فأنا حينها كنتُ في أبسط صور التعقيد
كنتُ مصدرَ إرهاق والداي وخوفهم ..أنا الآن "ضابِط الأمان العائلي ..والوظيفي..ومخزن أسرار أصحابي" !!
أو أنني أنا الحالي هو من كان المشنوق أدناه
....
"دكّان نصّار" كان غُرزتنا الصباحية ..!
قبل أن أتَقَدّم بِمستوى "الشلليّة" كنتُ أكتفي بِجرّ "معاوية" معي إلى دكانة "أبو ابراهيم" الذي كان يُعِدّ لنا عن طيب خاطر إبريق الشاي المُعَطّر .. والكعك !
كان يزعم أنّه كان يرى فينا "شبابه" وكان يُحرِّضنا على "الجموح" !!
"ثورجي متقاعد" !!
كُنّا "نفكّ الريق" قبل وصول الحافلة .. ونُدخِّن سيجارتين كاملتين !
أذكرُ مِن سوء أفعالي، أنّي ظفرتُ عُنوةً من زميلٍ "هامِل" ب "بصورةٍ خليعةٍ" جعلتها في كتاب النحو !
"هذا ما كان مُتاحاً..ولا أريد أن أتحدّث عن الفيلم الثقافي.. فشرحه يطول، وهو ذو شُجون"
وحانت "حِصّة النحو" وكنت قد نسيت موضوع الصورة تماما.. وعندما دخل معلّمنا "سعيد" إستأذنتُ لدورة المياه..!
كان ينتظرني "أنور" وسيجارة ماقبل الحصّة .
دورة المياه نظيفة .. فهي لاتكاد تستخدم لقضاء الحاجات .. بل للتدخين والفن التشكيلي على الحيطان،بِما يشبه إلى حَدٍ ما صفحات الفيس بوك !!
مَن لديهِ رأي أو رغبة أو شتيمة أو رأي سياسي .. فجدار الدورة وأبوابها موجودة .. بوست "مجاهيل" !!
كنتُ أثرثر مع انور-ويشكو لي "تطنيش" -حبيبه خالد- لَهُ، وكلانا يقف إلى "سيفونِهِ" المفترَض ووجوهنا إلى الحائِط، نتظاهر بِطَرح البول،
خوفاً مِن "كَبسَةٍ" إداريّة..
والسيجارة دائخةٌ بيني وبينه..
قلتُ لَهُ ناصِحاً و"مُنَظِّراً" : "إرجع لسلوى، أحسنلك من خالد .. ومش حاب أزعلّك ..بس بدي أحكيلك .. خالد بيحب سفيان.. وبيشربوا بكندرة وحدة" !!!
رَدّ بحزن : "والله كنت عارف وحاس.. وسلوى كمان حلقتلي .. بِدّي أرمي حالي بحاوية زباله أحسنلي من هالعيشة"
.. حاولت أن أخفِّف عنه : " ما بيستاهلوا إظفرك يا أنور .. مابيعرفوا مين أنور الإنسان !!.. وبلاش السيجارة تخلص واحنا بنسولف عالفاضي .. خلص سِد حلقك" !!
آنذاك، كان المعلِّم "سعيد" يُعاني في محاولة اقناع "الشباب" بالسكوت ليبدأ شرح الدرس..
وكان ممسكاً كتابي "النحو" بزاويةٍ من زواياه الأربعة، ويَطرق بالزاوية الصلبة منه على سطح المكتب، كمطرقة القاضي التي يريد بِها اسكات الحاضرين..
وبينما هو كذلك .. وبكل أريحيّه .. سقطت الصورة من الكتاب !
و .."بقدرة قادر" اصبح بالإمكان سماع صوت" رنّة الإبرة" ..
"سعيدو" بَرطمَ ولمعت عيناه..
وكنّا قد أنهينا سيجارتنا المشتركة، وقفلنا عائدين ..كُلٌ إلى "صَفِّهِ"
عندما دخلتُ "الصف"
قرأتُ الحكاية فوراً في وجوههم، وفيما تخفي يدا سعيد..وتفضحها عيناه
اقتربتُ فوراً منه : "استاذ .. أهم إشي الصورة ترجع لصاحبها ..لأنها "أمانة" " !!!!!!
تراجع للخلف .. وهمّ بأن يَبصق في وجهي .. لكنّه إبتسم بِمكر ..
"أقعد محلّك ياخالي .. أقعد"
وصادر سعيدو الصورة ..
وعوّضتُ صاحبها" بصاروخ "كاسترو" مغلّف" بالسلوفان !!
.. وقد مرّت تلكَ المرحلة .. بطلوع الروح !!
ولم أرى سعيد بعدها "أستاذ النحو الفاضِل" سوى مرّةٍ واحدةٍ بعد سنينَ عددا
كنتُ قد غادرتُ ذلك الشاب ذو الخمسة عشر ربيعاً إلى غيرِ رَجعةٍ
.. أشتاقُ لهُ ، أن أخبره بِما ينتظره، وأن أسدي له بعضاً مِن الصفعات!!
ألا ليت الشباب يعودُ يوماً لأخبره بِما فعلَ المشيبُ
وكان هو قد غادر "سعيدو" .. إلى "أبو صالح"
ومرّت عشرين من السنوات
"دموعاً للأرضِ بعينيها"
وهذا أنا .." أجري مع الموت السباق وإنني أدري بأنّ الموتَ سابِق" !
ألا يارب فارحم واغفِر
......
- صفحة مِن يوميّات السهل الممتنع - !
المفضلات