في غمرة أجواء الاصلاحات السائدة يعتقد البعض أن الاصلاح مسألة اتخاذ قرارات سريعة لتصويب مسار معين أو لايقاف تشوه معين، وصحيح أن السعي الحثيث للاصلاح يتطلب التعاطي السريع مع حالات خرجت عن مسارها الطبيعي لكن الصحيح أيضا أن الاصلاح ليست عملية موسمية أو ردة فعل فحسب، بل هي عملية دائمة ومستمرة طالما أن عملية البناء والنمو والتنمية مستمرة، فالاصلاح اذا لا يجوز أن يكون طارئا لينتهي بمجرد أنه أدى الصدمة التصحيحية المطلوبة منه، بل ان الاصلاح بالاساس هو ثقافة يجب أن نصر على زرعها وتجذيرها في الذهنية وأن تكون مكونا أساسيا من سلوكات المواطنة والانتماء كما أن الاصلاح لا ينتظر فقط قرارات بل عليه أن يبدأ من الذات، لا بل ان الاصلاح الأهم هو ذاك الذي يؤصل المسلكيات راشدة وواعية ومنتمية.
ان الحلقة الأهم في العملية الاصلاحية هو خلق المكون الثقافي للاصلاح، فالثقافة الاصلاحية هي التي تخلق المزاج العام الاصلاحي الايجابي القادر على التأثير النوعي باتجاه دفع هذا المزاج نحو التغيير الأفضل وبالتالي التطور الايجابي المطلوب. والأردن في حقيقة الأمر دخل مرحلة الثقافة الاصلاحية وبدأ في صياغة أطر ثقافية تتجذر في الجسم الرئيسي للثقافة العامة، وهذا أمر في غاية الأهمية ذلك أنه يضمن أمرين أساسيين، أولهما أن الاصلاح والحالة هذه لا يمكن أن يكون مارقا ولا موسميا ولا ردات فعل بل يكون راسخا ومعمقا ومجذرا وقادرا على الاستدامة وعلى البقاء ليكون بمثابة عين الرقابة وثيرموميتر يلعب دورا أساسيا في الحفاظ على أن تبقى مسيرة النمو والتنمية ضمن اتجاهاتها الصحيحة، وثانيهما أن الثقافة الاصلاحية تشكل حاضنة مهمة للفكر الاصلاحي وبالتالي فهي لا تتغير بتغير الحكومات أو المسؤولين لأنها تنفذ الى مقومات السلوك المجتمعي وبالتالي الى مقومات الشخصية الأردنية.
ان فهمنا لأهمية الاصلاح ثقافة وسلوكا وممارسة انما يشكل واحدة من المقومات الهامة لضمان الاصلاح ذاته، وبالتالي فهناك العديد من القرارات التي تؤخذ من قبيل الاصلاح غير أن نتائجها لا تظهر الا على المدى المتوسط أو البعيد، ومثال ذلك موضوع اعادة هيكلة القطاع العام الذي قد يستمر حتى نهاية عام 2013 وبالتالي تكون الضمانات لمثل هذه العملية الاصلاحية هي في تجذير ثقافة الاصلاح التي تحافظ على زخم الاصلاح على المدى المتوسط والبعيد.
وعليه فالأمر لا يتصل كثيرا بموضوع الاسراع في الاصلاح، بالرغم من اعترافنا أن هناك من القرارات السريعة التي يجب اتخاذها لتصحيح فوري لمسار معين، غير أننا عندما نتحدث عن مشهد الاصلاح الشامل بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية فلا يمكن الا أن نتحدث عن ارساء ثقافة الاصلاح وعن انعكاسات هذه الثقافة على كافة مناحي وأبعاد هذا المشهد ضمن اطاره الزمني القصير والمتوسط والبعيد.
محمد مثقال عصفور
المفضلات