( الحَمْدُ لِلهِ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) (الأنعام:1)
( الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) (سبأ:1)
( الحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ
يَزِيدُ فِي الخَلقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (فاطر:1)
( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (الحديد:3)
هو الأول فليس قبله شيء ، وهو الآخر فليس بعده شيء ،
وهو الظاهر فليس فوقه شيء ، وهو الباطن فليس دونه شيء ،
لم يزل بصفات الكمال ولا يزال ، دائما باقيا بلا انقضاء ولا زوال ،
يعلم دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ،
في الليلة الظلماء ، خلق كل شيء فقدره تقديرا ،
ورفع السماوات بغير عمد وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
ولا نظير له ولا مثيل ، ولا مشير له ولا وزير ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
يقول الله عز وجل :
( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ) (الإسراء:110)
هذه الآية تدل على أن أسماء الله أعلام ، كلها تدل على مسمى واحد ،
وقوله تعالى :
( وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
وَذَرُوا الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأعراف:180)
تدل على أن أسماء الله أوصاف ، فدعاء الله يكون بالوصف الذي تضمنه الاسم .
ولا بد أن نفرق أولا بين الاسم والصفة ،
الاسم هو ما دل على علم لتمييزه عن غيره ،
والصفة ما دلت على معنى يقوم بالذات أو دلت على نعت نعتت به ،
لو فرضا أن أحدا سأل وقال :
أريد سعيدا ، فهل يصح أن نقول كلنا سعداء.
فإنك ترانا سعداء فرحين منسجمين ؟
لا ، هو يريد شخصا بعينه ، ولا يريد من اتصف بالسعادة ،
يريد من تخصيص الشخص العلمية لا الوصفية ،
ولذلك لو قلنا له من هو سعيد ؟
فيه أربعة اسمهم سعيد ، فمن تريد ؟
فقال : أريد سعيد بن صالح ؟
فالاسم الثاني - اسم أبيه -
أعطاه مزيدا من العلمية والتمييز ، فلوا قلنا له :
فيه اثنان سعيد بن صالح ، واحد جالس عند الباب ،
والثاني : آخر واحد من الطلاب ،
فيقول أريد سعيد بن صالح القحطاني ،
عند ذلك تميز هذا الطالب عن بقية الموجودين
وأصبح اسمه علما عليه دون غيره ،
لا يشاركه في الاسم غيره ، فالاسم ما دل على علم لتمييزه عن غيره .
لكن لو نادي على سعيد بن صالح القحطاني ، فقام إليه هذا الطالب ،
فوجده سعيدا فرحا يضحك ويمرح ،
عند ذلك يقول له سعيد صالح اسم على مسمى ،
اسم دل على ذاته وتميز به عن غيره ،
لكن لو وجده حزينا باكيا عبوسا كئيبا ،
ففي هذه الحالة يقال :
اسمه سعيد لكن بلا سعادة ، ليست فيه صفة السعادة ،
وممكن يسمون بنتا تفاحة أو زهرة أو غزال ،
أو يسمونها شهد أو بياضة أو نورة ،
أو قمر أو جواهر أو جميلة ، وهى سوداء كالليل البهيم ،
وغير ذلك مما هو معلوم .
أما الأسماء في حق الله فهي علمية ووصفية ،
تضمنت الصفات ودلت عليها ،
فاسم الله القدير العلي الرحمن القوى العزيز الحكيم
السميع العليم وغير ذلك من أسماء الله ،
دلت على إثبات صفة القدرة والعلو والرحمة والقوة
والعزة والحكمة والسمع والعلم ، فهي أعلام لقوله تعالى :
( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ) (الإسراء:110)
كلها تدل على مسمى واحد ،
وهي أيضا أوصاف لقوله تعالى :
( وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأعراف:180)
فالله عز وجل من أسمائه الحسنى الغفور الرحيم ،
والغفور علم علي ذاته وكذلك الرحيم كما جاء في قوله تعالى :
( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107)
وقوله ( قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يوسف:98)
( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الحجر:49)
فكل هذه الآيات تدل على اسمه الغفور الرحيم .
أما قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ) (الرعد:6)
وقوله ( وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) (الكهف:58)
فتدل على أن الغفور ذو مغفرة ،
والرحيم ذو رحمة وكذلك قوله
( مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ
إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) (فصلت:43)
ومن أسمائه الحسني القوي
( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ) (هود:66)
والقوي هو المتصف بالقوة
( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) (الذريات:58) .
ومن أسمائه الحسني الغني
( وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (الأنعام:133)
( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (يونس:68)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) (فاطر:15)
ومن أسمائه الحسني اللطيف
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ) (يوسف:100)
( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ) (الأنعام:103)
واللطيف هو المتصف باللطف
( اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ) (الشورى:19)
ومن أسمائه الحسني العزيز ،
والعزيز هو المتصف بالعزة
( هُوَ الذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6)
( الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً) (النساء:139)
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات:180)
فنقول ربنا هو القدير بقدرة ، على له العلو ،
رحيم برحمة ، عزيز بعزة ، حكيم بحكمة ،
سميع بسمع ، عليم بعلم ،
وليس كما هو الحال عندنا نقول فيمن اسمه سعيد بلا سعادة ،
سعيد وهو حزين ، أو صالح بلا صلاح ، أو فالح بلا فلاح ،
فالسلف أثبتوا أسماء الله أعلاما وأوصافا ،
قال تعالى في سورة الأعراف :
( وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )
فدعاء الله بها أن يقول الفقير :
يا غنى ،
اغننى بفضلك عمن سواك ،
ولولا يقين الداعي الفقير أنه سبحانه غنى ولا نظير له في غناه ما دعاه ،
وأن يقول الضعيف :
يا قوى ،
قوني فلولا يقينه أنه سبحانه لا شبيه له في قوته ما دعاه ،
وهكذا
يعلم أصحاب الفطرة السليمة فطرة التوحيد ،
أن الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
قال الله تعالى في سورة النمل :
( أَمَّنْ يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ الله قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ )
يقول ابن القيم :
( أسماء الله مترادفة بالنظر إلى الذات متباينة بالنظر إلى الصفات وكل اسم منها يدل على الذات
الموصوفة بتلك الصفة ) .
وأي نقص في حق الله أعظم من أن يكون الله عز وجل لا صفة له عند المعتزلة ،
تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ،
إن الواحد منا لا يقبل هذا على نفسه ، فلو قال لك قائل :
أنت لا صفة لك عندي ، ربما خاصمته دهرا ،
لأن الفطرة مجبولة على إثبات الأوصاف الحميدة ،
فمن العجب أن يثبتوا لأنفسهم أجود الأوصاف ،
وينفون عن الله الذي ليس كمثله شيء سائر أوصاف الكمال ،
ومن ثم لا بد من الإيمان بأسماء الله وأنها أعلام وأوصاف ،
والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى في سورة الشورى :
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )
فبين سبحانه انفراده عن كل شيء
من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ،
وقال تعالى في أول سورة الإخلاص :
( قل هُوَ الله أَحَدٌ )
وقال في نهايتها مبينا معنى الأحدية :
( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )
أي أن الأحد هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له ،
والقصد أن السلف يقولون :
إن أسماء الله أعلام تدل على ذاته لقوله تعالى :
( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ) (الإسراء:110)
كلها تدل على مسمى واحد ،
الرحمن الرحيم المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ
المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ ،
الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الحَكِيمُ ،
هذه الأسماء مترادفة باعتبار دلالتها على الذات ،
ومختلفة المعني باعتبار دلالتها على الصفات ،
لقوله تعالى :
( وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (الأعراف:180)
فدعاء الله يكون بالوصف الذي تضمنه الاسم ،
أسأل الله أن يجعلنا من الذين قال فيهم :
( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ
لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) (الزمر:18)
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56)
اللهم صلى وسلم على حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المفضلات