مســــاء الخيــــــــر أعـــــــزائي
الجزء الثاني
من ماجدولين إلى إستيفن
لم تكف الأربعون ساعة التي مرت بي لتخفيف شيء من همومي وأحزاني , فلقد قضيتها حائرة الذهن مشردة اللب , أقلب عيني في كل مكان فلا أجد في بارقة من بوارق الحقيقة ولا سانحة من سوانح الخيال عزاء ولا سلوى .. فصعدت إلى غرفتك المهجورة علني أجد في مقامي بها ساعة علاج ما أكابده من هموم وأحزان , فلما بلغتها ووضعت يدي على مفتاحها شعرت برعشة شديدة ملأت ما بين قمة رأسي إلى أخمص قدمي , فلقد خيل إلي أنني لو فتحت هذا الباب وجدتك وراءه واقفا تبتسم إلي وتفتح ذراعيك لاستقبالي , فلما فعلت لم أجد غير الوحشة السائدة والسكون المخيم , وغير سريرك المشعث وأوراقك المبعثرة في كل مكان والغبار المنتشر في أرضها وسمائها , فمهدت ما تشعث وجمعت ما تبعثر ومسحت الغبار عن المقاعد والنوافذ , وأعدت الغرفة إلى عهدها الأول أيام كنت تسكنها وتزينها , كأنما أبيت إلا أن تكون غرفتك المعدة لك المسماة باسمك , حاضرا كنت أو غائبا . ووجدت على بعض المقاعد بضعة دراهم في كيس صغير , فعلمت أنها أجرة الغرفة التي يتقاضاها أبي قد تركها له ليأخذها من حيث لا تراه , فأخذتها لأحملها إليه ثم أستوهبه إياها لأبتاع بها حلية أو ذخيرة أتقلدها , كأنها هدية منك إليّ . سأحمل نفسي يا إستيفن على الصبر عنك , حتى يطوي القدر مسافة البعد بيني وبينك , وستكون تعلتي التي أتعلل بها منذ الساعة كلما هاج بي هائج الشوق إليك , أنك ما بعدت عني إلا لتقترب مني , ولا فارقتني إلا لأنك آثرت اجتماعا آمنا طويلا على اجتماع مصرد غير مأمون , فامض في سبيلك أيها الصديق المحبوب , وذلل بهمتك جميع العقبات التي تعترض سبيل سعادتنا وهنائنا , حتى نلتقي بعد ذلك لقاء تنسينا حلاوته مرارة ذلك الماضي المحزن الوبيل .
من إستيفن إلى ماجدولين
رأيتك يا ماجدولين بعد افتراقنا عاما كاملا وكانت ساعة من أسعد الساعات وأهنئها , فغفرت بعدها من أجلها كل سيئاته عندي , بل نسيت عندها أنني ذقت طعم الشقاء ساعة واحدة في يوم من أيام حياتي , وظللت أقول في نفسي : هذا شأني , ولم أرها إلا لحظة واحدة على البعد , فكيف إذا أصبحت كل ساعات حياتي ساعات لقاء واجتماع ؟ ! .. إني أذكر ذلك يا ماجدولين فيخيل إلي أن قلبي أضعف من أن يحمل هذه السعادة كلها , وأنها يوم توافيني ستذهب إما بعقلي أو بحياتي ... غير أني لي عندك أمنية واحدة , وأحب أن تأذني لي بذكرها وأن تنوليني إياها . رأيتك في الملعب تلبسين ثيابا رقيقة ناعمة تشف عن ذراعيك وكتفيك ونحرك , وتكاد تنم عن صدرك وثدييك , ورأيت الأنظار حائمة حولك تكاد تنتهبك انتهابا , فاشتد ذلك علي كثيرا وألم بي من الغيظ والألم ما الله عالم به . وما أحسب أنك كنت راضية عن نفسك في هذا المظهر الذي ظهرت به بين الناس , ولكنك خضعت فيه لرأي النساء , ورأيهن في هذا الشأن أخيب الآراء وأطيشها , فرجائي عندك أن تنزعي عنك هذه الشفوف المهلهلة , وأن تعودي إلى ثيابك القروية الأولى , صونا لجسمك من عبث الأنظار وفضولها , فليس يكفيني منك أن تهبيني قلبك وتؤثريني بمحبتك , بل لا بد لك من أن تذودي عنك قلوب الرجال وأفئدتهم فلا تجعلي لها سبيلا إلى الافتتان بك , أو الاهتمام بشأنك , لا بالبشاشة والوداعة ولا بالتزين والتحلي , ولا بالتجمل والتأنق . واعلمي أن المرأة لا تخلص للرجل الذي تحبه الإخلاص كله حتى تؤثره بجميع مزاياها وصفاتها , فلا تحفل برأي أحد فيها غير رأيه , ولا تنزل منزلة الرضا في قلب غير قلبه , ولا تأذن لكائن من كان أن يقول لها في وجهها , أو بينه وبين نفسه , أو في رؤياه وأحلامه , إنها جميلة وفاتنة , أو ما أظرفها وأبدعها ! .. حتى توافيه يوم توافيه طاهرة نقية كاللؤلؤة المكنونة التي يلتقطها ملتقطها من صدفتها . تحيتي إليك وإلى السيدة سوزان , وسأذهب مساء كل أحد إلى الملعب لأراك وألتمس السبيل إلى لقائك ..
أرجو تنال إعجابكم
تحياتي
المفضلات