قال النمر :
تأَبّدَ مِنْ أطلالِ عَمْرةَ مَأْسَلُ ... وَقَدْ أَقْفَرَتْ مِنْهَا شِراءٌ فَيَذْبُلُ
فَبُرْقَة ُأرْمَامٍ فَجَنْبَا مُتَالِعٍ ... فَوَادي سَلَيْلٍ فالنَّديُّ فَأَنْجَلُ
ومِنْهَا بِأَعْرَاضِ المَحَاضرِ دُمَيَةٌ ... ومِنْهَا بِوادي المُسَلَهِمّةِ مَنْزِلُ
أَنَاةٌ عَلَيْهَا لُؤلُؤٌ وَزَبَرْجَدٌ ... وَنَظْمٌ كَأَجْوَازِ الَجرادِ مُفَصَّلُ
يُرَبِّبُهَا التّرعيبُ والمَحضُ خِلفَةً ... وَمِسْكٌ وَكَافُورٌ وَلُبْنَى تُؤكّلُ
يُشَنّ عَلَيْهَا الزّعْفَرانُ كَأَنّهُ ... دَمٌ قَارِتٌ تُعلَى بِهِ ثمّ تُغسَلُ
سَواءٌ عَلَيْهَا الشّيْخُ لمْ تَدرِ ما الصِّبا ... إذا ما رأتهُ والأَلوفُ المُقَتَّلُ
وكم دونها من رُكنِ طَودٍ وَمَهْمَهٍ ... وماءٍ على أطرافِهِ الذّئبُ يَعْسِلُ
وَدَسّتْ رَسُولاً مِنْ بَعيدٍ بآيَةٍ ... بِأَنْ جُسُهمُ واسأَلْهُمُ ما تَمَوّلُوا
فَحَيّيتُ مِنْ شَحْطٍ بِخَيْرٍ حَدِيثِنا ... ولا يَأْمَنُ الأيّامَ إلاّ مُضَلَّلُ
لَعَمْري لقد أنكَرْتُ نَفْسي ورابَني ... معَ الشّيْبِ أبدالي التي أَتَبَدَّلُ
فُضُولٌ أَرَاهَا في أَدِيميَ بَعْدمَا ... يَكُونُ كَفَافُ اللّحْمِ أَو هُوَ أَفْضَلُ
كَأَنّ مِخَطّاً في يَدَيْ حَارِثِيّة ... صَنَاعٍ عَلَتْ مِنّي بِهِ الجلدَ من علُ
وَقَوْلي إذا ما غابَ يوماً بَعِيرُهُمْ ... يُلاَقُونَهُ حتى يَؤُوبَ المُنَخَّلُ
وأُضحي ولم يَذْهَبْ بَعِيري غُرْبَةً ... وَأَشوي الذي أشوي ولا أَتَحَلّلُ
وَظَلعي ولم أُكْسَرْ وإنّ ظَعِينَتي ... تَلُفُّ بَنِيها في البِجَادِ وأُعْزَلُ
وَدَهْرِي فَيَكفيني القَلِيلُ وإنّني ... أؤوبُ إذا ما أُبْتُ لا أتَعَلَّلُ
وَكُنْتُ صَفيَّ النّفسِ لا شيءَ دُونَهُ ... وَقَدْ صِرْتُ مِنْ إقْصَا حَبيبَي أَذْهُلُ
بَطيءٌ عَنِ الدّاعي فَلَسْتُ بِآخِذٍ ... إلَيْهِ سِلاحي مثلَ ما كُنْتُ أَفْعَلُ
تَدَارَكَ ما قَبْلَ الشّبابِ وَبَعْدَهُ ... حَوَادِثًُ أَيّامٍ تَضُرّ وَأَغْفُلُ
يَوَدّ الفَتَى بَعْدَ اعْتِدَالٍ وَصِحّةٍ ... يَنُوءُ إذا رامَ القِيَامَ وَيَحْمِلُ
يَوَدّ الفتى طُولَ السّلامَةِ والغِنَى ... فَكيْفَ تُرى طُولُ السّلاَمَةِ يَفْعَلُ
دَعَاني الغَوَاني عَمّهُنّ وخِلتُني ... ليَ اسمٌ فَمَا أُدْعَى بِهِ وَهُوَ أَوّلُ
وقد كُنْتُ لا تَشوي سِهَاميَ رَمْيَةً ... فَقَدْ جَعَلَتْ تَشوي سِهامي وَتَنْصِلُ
رَأَتْ أُمُّنا كَيصاً يُلَفِّفُ وَطْبَهُ ... إلى الأُنُسِ البادِينَ وَهوَ مُزَمَّلُ
فَلَمّا رَأَتْهُ أُمُّنا هَانَ وَجْدُها ... وَقَالتْ أَبوكم هَكَذا كانَ يَفْعَلُ
وَثَارَتْ إلَينا بالصعِيدِ كَأنّما ... يُجَلِّلُها من نافِضِ الوَرْدِ أَفْكَلُ
وقالتْ فُلانٌ قد أَعَاشَ عِيَالَهُ ... وَأَوْدَى عِيالٌ آخَرُونَ فَهُزِّلُوا
أَلَمْ يَكُ وِلْدَانٌ أَعَانُوا وَمَجْلِسٌ ... فَنَخزَى إذا كُنّا نَحِلُّ وَنَحْمِلُ
لَنَا فُرَسٌ من صَالِحِ الخَيْلِ نَبْتَغي ... عَلَيها عَطَاءَ اللَّهِ واللَّهُ يَنْحَلُ
يَرُدّ عَلَيْنَا العِيرَ مِنْ بَعْدِ إلْفِهِ ... بِقَرْقَرَةٍ والنَّقْعُ لا يَتَزَيّلُ
وَحُمرٌ تَرَاها بالفِنَاءِ كَأَنّها ... ذُرَى كُثُبٍ قد مَسَّهَا الطلُ تَهطلُ
عَلَيْهَا مِنَ الدَّهنا عَتيقٌ وَمَوْرَةٌ ... من الحَزْنِ كلٌّ بِالمَرَاتِعِ يَأْكُلُ
فَقَدْ سَمِنَتْ حَتى تَظَاهَرَ نَيُّهَا ... فَلَيْسَ عَلَيْهَا بالرّوادِفِ مِحْمَلُ
إذا وَرَدَتْ مَاءً وإنْ كَانَ صَافياً ... حَدَتهُ على دَلْوٍ تُعَلّ وَتُنْهَلُ
فَفِي جِسْمِ راعيها هُزالٌ وشُحْبَةٌ ... وضُرٌّ وما مِنْ قِلّةِ اللّحْمِ يَهْزُلُ
فَلاَ الجارَةُ الدّنْيَا لها تَلْحَينَّها ... ولا الضّيْفُ عَنْهَا إن أناخَ مُحَوَّلُ
إذا هُتِكَتْ أَطْنَابُ بَيْتٍ وَأَهْلُهُ ... بِمُعْظَمِها لم يُورَدِ المَاءَ أُقْبِلُ
عَلَيْهِنّ يَوْمَ الوِردِ حَقّ وَذِمّةٌ ... وَهُنّ غَدَاةَ الغِبّ عِنْدَكِ حُفّلُ
وَأَقْمَعْنَا فيها الوِطَابَ وَحَوْلَنا ... بُيُوتٌ عَلَيْهَا كُلُّها فُوهُ مُقفَلُ
المفضلات