لا يريد الاحتلال الإسرائيلي "للحكواتي" أن يسرد قصص صمود ومعاناة الفلسطينيين بالقدس، ويرفض أن يظل أحد أعمدة الثقافة الفلسطينية فيها، فالمسرح الوطني الفلسطيني بالقدس "الحكواتي"، الذي يمتد عمره لأكثر من 27 عاما بات مهددا بإجراءات الاحتلال التعسفية الهادفة للجم عمله الفني والثقافي، خاصة تلك التي تفضح الاحتلال وجرائمه.
ويؤكد مدير مسرح الحكواتي جمال غوشة أن سلطات الاحتلال دأبت على إغلاق المسرح ومنع نشاطاته أكثر من 35 مرة.
وعمدت إسرائيل قبل مجيء السلطة الفلسطينية مطلع تسعينيات القرن الماضي لاستخدام قانون الطوارئ، كمنع أي نشاط دون ترخيص أو إذن، وبعد قدومها استخدمت قانون الوسط والذي يمنع أي نشاط تعتبره إسرائيل ممولا أو تحت رعاية أو بإشراف السلطة الفلسطينية.
جمال غوشة أكد أن أساليب الاحتلال المختلفة يهدف بها لكبح جماح المثقف المقدسي
(الجزيرة نت)
أساليب ممنهجة
وأكد غوشة في حديثه للجزيرة نت أن إسرائيل استخدمت طريقتين لعرقلة نشاطات المسرح، فحدت من العروض الفنية والمسرحية فيه، عبر فرض قيود على الترخيص مثل "ترخيص الجمهور وترخيص المكان وترخيص العمل الفني وترخيص الفنان"، إضافة لفرض ضرائب طائلة، والرقابة، والمنح المالية.
كما منعت تنفيذ العديد من النشاطات الثقافية المقدسية في المسرح، رغم أنه القاعة الوحيدة التي يتاح للمقدسيين ممارستهم أنشطتهم بها، حيث منعت الاحتفالات الرسمية والمحلية "والتي كان من بينها احتفالات القدس عاصمة للثقافة العربية، أو حتى حفل تكريم لمعلمين أو غيرهم".
وتتخذ السلطات الإسرائيلية من اشتراطاتها للسلامة العامة وسيلة جديدة لفرض مزيد من القيود على المسرح، "فلم يكن المسرح ليمنح الترخيص لو زاد عدد مقاعده عن أربعمائة شخص، حسب قانون الاحتلال".
وأشار غوشة إلى أنهم بالكاد يمررون أعمالهم وعروضهم الفنية على المسرح، مستغلين "المساحة الثقافية الهامشية الممنوحة"، إلا أن تأجير القاعة لعرض الأنشطة الثقافية غالبا ما يمنعه الاحتلال، رغم أن التجمع بالقدس ممنوع "إلا في داخل القاعات".
وأكد أن محاولتهم تأجير المسرح، وبالتالي تحوله لاستضافة العروض أكثر من كونه منتجا، تأتي في سبل توفير الدعم الذاتي له وللفنانين فيه، ولتمكينهم من إنتاج بعض الأعمال، ولا سيما أنهم يرفضون أي تمويل إسرائيلي لأعمالهم.
وتحدث مدير مسرح الحكواتي أن منع الاحتلال السلطة الفلسطينية من العمل بالقدس، إضافة لتركيز جهود الدعم الأوروبي على الضفة الغربية "بمرحلة بناء السلطة" وامتناعه عن القدس، أدى لرحيل بعض مؤسسات القدس للضفة الغربية أو إغلاقها، وهو ما حدا بعدد كبير من الفنانين ترك العمل بالفن، وهو ما "أعاق التطور في الحركة الثقافية واقتصر على ضمان الاستمرارية وليس التطور".
مشهد من عرض لمسرحية "مارتن لوثر كينغ" (الجزيرة نت)
محاصرة الثقافة
وبين غوشة أنه سيكون من الصعب إيجاد مكان آخر للاهتمام بإنتاج أعمال مسرحية، خاصة أن تكلفة الإنتاج عالية جدا، وأن خبرة المسرح في هذا المجال هي التي أعطت الثقة للداعمين لتمويله.
ولفت إلى أنهم يواجهون صعوبة بتحديد النشاطات التي يرفض الاحتلال عرضها، وعلى أساسها يغلق المسرح، وقال إن مزاجية الاحتلال هي التي تحكم هذا الأمر، كما أنه "لا يمكننا أن نكون بموضع الرقيب على الأنشطة المقدمة".
وأكد أن المسرح يخلق حالة من التواصل الثقافي بين المقدسيين، وأن هدف الاحتلال من إغلاقه أو منع عروضه وكبح جماح العمل الفني والثقافي بالقدس، "وهذا أدى بالفعل لدور خافت للفنان والمثقف المقدسي".
من جانبه رأى مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري أن هذه الإجراءات الإسرائيلية لا تستهدف العمل الثقافي لوحده بالقدس، بل لمحو كل ما هو فلسطيني فيها، "فمن الممكن أن يصل المنع للأعراس الفلسطينية".
وقال للجزيرة نت إن إسرائيل تمارس ذلك، وهي تعلم أنه مخالف للقوانين الدولية، وحتى لقوانينها، "ولكن العنصرية والتطهير العرقي بطرد الفلسطينيين وإحلال المستوطنين مكانهم هدفها الأسمى"، مشيرا إلى أنها أغلقت بمثل هذه الطرق والادعاءات ما يزيد على 25 مؤسسة مقدسية ثقافية وسياسية واجتماعية.
يذكر أن مسرح الحكواتي قدم أعمالا فنية مختلفة، وصل صيتها للعالم الخارجي، ومن أهمها مهرجان الدمى والعرائس عام 1989، ومن القدس مع حبي، ومارتن لوثر كينغ.
المصدر: الجزيرة
المفضلات