عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي في ساحة جامع الفنا، التي شكلت على مر العصور فضاء ملهما للشعراء والأدباء والمؤرخين، ولم يستطع الاعتداء الإرهابي الشنيع، الذي استهدف مقهى أركانة، يوم الخميس الماضي.
أن ينتزع الفرحة والبهجة من الساحة، التي المصنفة من طرف منظمة اليونسكو تراثا عالميا للإنسانية.
استؤنفت الحياة بشكل عاد، واسترجعت الحركة في ساحة جامع الفنا، الواقعة في قلب مراكش النابض، حيويتها وطابعها الأصلي، من خلال توافد عدد من السياح الأجانب والمغاربة على المطاعم المتنقلة، والحلقة، التي تصنع الفرجة بالساحة العالمية، التي يختلط فيها الخيال بالواقع.
وتحولت الواجهة الأمامية لمقهى أركانة، التي تحيط بها حواجز أمنية، إلى مكان لوضع أكاليل الورود، لتقديم التعازي لأقارب وعائلات الضحايا المغاربة والأجانب، من طرف مختلف ممثلي الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية، الذين عبروا عن تنديدهم المطلق بالعملية الإرهابية.
"ماتقيش بلادي" شعار سيبقى حاضرا إلى الأبد، مادام الخطر الإرهابي يهدد الاستقرار، ويهدف إلى ضرب الأسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية. ولم يكن اختيار زمن التفجير واستهداف مقهى أركانة اعتباطيا، إذ قبل ثلاث سنوات كان اسم المقهى، الذي أصبح قبلة لمشاهير العالم في السياسة والفن، من ضمن الأماكن المستهدفة من طرف الإرهابيين.
ويرى الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن العملية الإرهابية، التي استهدفت مقهى أركانة، جاءت في ظرف زمني حساس، شهدت فيه الدولة المغربية دينامية غير مسبوقة، من خلال النقاشات المتتالية بطريقة متقدمة ومتطورة، حول الجهوية الموسعة، والإصلاحات السياسية الشاملة، التي جرى الإعلان عنها منذ الخطاب الملكي لـ 6 نونبر 2008، مؤكدا أن العملية الإرهابية الشنيعة تتوجه لضرب مسلسل الإصلاح الشامل، الذي بدأه المغرب مع الخطاب الملكي المذكور.
وأضاف الدكتور الغالي، في اتصال مع "المغربية"، أن فرضية الإرهاب الدولي المستهدف للمغرب واردة من خلال بصمة القاعدة في المغرب الإسلامي، خصوصا أن المغرب ظل مستهدفا منذ سنوات من طرف خلايا الإرهاب الدولي على المستوى الداخلي والخارجي.
وأوضح محمد الغالي أن هناك مجموعة من السيناريوهات، التي يرجح أن تكون وراء تنفيذ العملية الإرهابية، التي استهدفت قلب مراكش النابض، أولها يتعلق بما وصفهم بأعداء الأمة والوطن، الذين لا يريدون التحول الديمقراطي، الذي يعرفه المغرب، لأن الإصلاحات تزعجهم وتهدد مواقعهم، والسيناريو الثاني المحتمل يتمثل في الدينامية والتحول الديمقراطي، الذي يشهده المغرب بطريقة سلسة وهادئة دون استعمال القوة المادية، خلافا لما يقع في باقي الدول العربية.
وأجمعت عدد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية على أن العملية الإرهابية، كان الهدف من ورائها التشويش على الحراك السياسي والإصلاحات السياسية الشاملة التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس في خطابه ليوم 9 مارس الماضي، ومحاولة خلط الأوراق في منعطف إصلاحي حاسم تعرفه المملكة المغربية.
رواد الحلقة يحتفلون بإعلان جامع الفنا تراثا شفويا للإنسانية
تستعد فعاليات المجتمع المدني بساحة جامع الفنا، بتنسيق مع مختلف الهيئات النقابية والحقوقية، وبتعاون مع مفتشية المباني التاريخية والمواقع في مدينة مراكش، ومحافظة قصر البديع، للاحتفال، نهاية الأسبوع المقبل، بالذكرى العاشرة لإعلان ساحة جامع الفناء تراثا شفويا للإنسانية من طرف منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو).
"ماتقيش بلادي"، و"لا للإرهاب"، شعارات ستكون حاضرة في الاحتفال، بعد العملية الإرهابية، التي استهدفت مقهى "أركانة"، وسيسعى رواد الحلقة بساحة جامع الفنا إلى توجيه رسالة واضحة للإرهابيين، مفادها أن الشعب المغربي، وضمنه المراكشيون، يرفض كل أشكال الإرهاب، ويندد بكل عمل يراد من ورائه المس بأمن وسلامة واستقرار المغرب، وأن الإرهاب لن يوقف كل أنواع الفرجة، التي توجد في ساحة جامع الفنا المتميزة.
وستنظم على هامش الاحتفال بالذكرى العاشرة لتصنيف الساحة ضمن روائع التراث الشفوي للإنسانية، أنشطة ثقافية متنوعة، لكشف مميزات الساحة ووظائفها، التي تعددت وتطورت عبر العصور، حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي عاشتها مدينة مراكش منذ عهد الدولة المرابطية، في القرن الثاني عشر الميلادي، إضافة إلى التحسيس بضرورة المحافظة على هذا الموروث الحضاري، الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ مدينة مراكش، عبر مختلف العصور.
كما سينظم معرض لمختلف الصور الناذرة لساحة جامع الفنا، لإطلاع الزوار المغاربة والأجانب على المحطات التاريخية، التي مرت منها الساحة العفوية، والوجوه الكثيرة، التي تعاقبت عليها عبر تاريخها الطويل، سواء من استمر لون فرجته عبر ممارسين جدد، أو من انقرض فنه برحيله، أمثال امبارك "الكوشي"، والشرقاوي "مول الحمام"، ومولاي أحمد "حمقة"، والبشير "دكتور الحشرات"، ومولاي عبد السلام "الصاروخ"، وكبور "مول البيشكليت"، وعمر "ميخي".
المفضلات