منذ إنطلاقة الثورة المباركة و الأحداث تتسارع بوتيرة مضطردة يكاد المرء يلحق بها، هذا حال أغلب المراقبين للشأن الليبي، و قد كان البعض يظن أن القيادات الميدانية و النشطاء سيكون حالهم كذلك و لكن ما أثلج الصدور هو ما رأيناه من إستشراف للمستقبل و الحراك الميداني من أجل ترتيب أوضاع ليبيا ما بعد النظام المتهالك.
منذ اللحظات الأولى لإندحار آلة الإرهاب، في طبرق و درنة و البيضا و بنغازي و اجدابيا و الزنتان و مصراته و نالوت و ازوارة و الزاوية، بادر أحرار ليبيا في إعادة ترتيب شأنهم المحلي و ذلك بتشكيل لجان أهلية و مجالس محلية، و هم اليوم بدأوا في تشكيل مجلس وطني حتى لا يكون هناك فراغ سياسي بعد القضاء على نظام باب العزيزية.
مبادرة تشكيل المجلس الوطني مبادرة في غاية الأهمية و تنم على شعور بالمسئولية عند من بادر بها و عند من بادر بتأييدها و خاصة في المدن التي تقع في غرب البلاد، الذين بادروا بتأييد هذه الخطوة و لم ينتظروا حتى يشاركوا حضوريا في المداولات بسبب تعذر التنقل في المرحلة الراهنة.
المجلس الوطني المعلن يحتاج إلى تفصيل في تركيبته و في مهامه، و قد يأخذ هذا وقتا و هو الأمر الذي ليس في صالح الوطن. أضف إلى ذلك، فحسب ما صرح المستشار مصطفى عبد الجليل "أن المجلس لن يعلن عنه حتى إكتمال تحرير تراب الوطن كله"، و هذا أمر قد يتطلب وقتا و مزيدا من الضحايا، خاصة في العاصمة التي أطلق فيها مجرم الحرب من آل القذافي العنان للمرتزقة و المليشيات المسلحة لتعمل فيها تقتيلا و إرهابا. لذا يتطلب الأمر من المجلس الوطني أن يباشر في الإعلان عن حكومة مؤقتة من الآن و لا ينتظر حتى يكتمل تحرير كامل التراب الوطني، و يستمر المجلس في مهمته الأساسية و هي إعادة بناء الدولة.
مهام إعادة بناء المؤسسات التشريعية و التنفيذية و القضائية يتطلب جهدا كبيرا، و لذا يجب أن تكون هناك حكومة مؤقتة تتفرغ لأهم ثلاث مهام للدولة في هذه المرحلة الإنتقالية: تسيير أعمال؛ الحصول على إعتراف دولي بأنها الممثل الشرعي للشعب الليبي؛ و القضاء على بقايا النظام المتهالك لتحرير كامل التراب الوطني منه و من أزلامه. ما الذي يمكن أن يتحقق من الحصول على إعتراف دولي للحكومة المؤقتة بتمثيل الشعب الليبي؟
تنقلب المعادلة السياسية بالكامل، حيث يصير نظام باب العزيزية خارج عن القانون، لا يملك أي سلطة على مؤسسات الدولة و لا البعثات الدبلوماسية الليبية في العالم، مما سيؤدي إلى إحكام العزلة الدولية عليه.
بموجب شرعية تمثيل الدولة الليبية، كل التعاقدات بإسم الدولة الليبية تنتقل ملكيتها إلى الحكومة الجديدة. أولى المهام هي نقل ملكية بث الإذاعات الرسمية و بالتالي عزل نظام باب العزيزية محليا، و هو أمر في غاية الأهمية. النظام يستخدم الإذاعات الفضائية في تشويه الثورة عند الشعب، التهديد و التضليل، بل و تعبئة جنود و ضباط الكتائب الأمنية التي لا تشاهد سوى المحطات المحلية. هذه الخطوة، عزل النظام محليا، ستؤدي إلى عزل النظام عن قطاع كبير من جنوده و تتيح للحكومة الجديدة فرصة إيصال الحقيقة، مما سيؤدي إلى إضعافه بدرجة كبيرة جدا.
محصلة نزع الشرعية عن نظام باب العزيزية و عزله دوليا و محليا و كشف الحقيقة ستكون في تغيير موقف الكثير من المترددين في ليبيا و كسر حاجز الخوف لديهم ليهجروا هذا النظام و من تم إضعافه بشكل يمكن من القضاء عليه.
الأمر في غاية الأهمية و لا يحتمل التأخير، و قد رأينا يوم الإربعاء كيف كان تأثير ظهوره في طرابلس في خطاب امتد قرابة 3 ساعات متزامنا مع عملية عسكرية لإعادة إحتلال مرسى البريقة، لقد أدى إلى إرتباك في أداء المجلس الوطني. عوضا عن ظهور المتحدث الرسمي بإسم المجلس ليعلن أسماء أعضاء المجلس، ظهر علينا ببيان يعلن فيه عن توجيه نداء إلى منظمة الأمم المتحدة يطلب منها التدخل عسكريا بقصف قوات نظام باب العزيزية. قرار، أو توجه، لا ندري هل تم دراسته بعناية لإستيعاب تبعاته؟ أم جاء وليد حالة إرتباك؟ و الأسوأ أنه و حسب التقديرات أنه في عكس إتجاه الرأي العام في الشارع الليبي، في المناطق المحررة و التي لا زالت تعاني من إستبداد نظام باب العزيزية. الشعب الليبي عامة، و الشباب خاصة، أطلق هذه الثورة لكي يتحصل على حق أن يختار و بحرية الحكومة التي تعمل على تحقيق تطلعاته و تتوافق قراراتها مع الرأي العام و ليس ضده.
المفضلات