رغم عودة العديد من مراكز الشرطة في مصر للعمل ولو على استحياء، ظل دور اللجان الشعبية التي شكلها الأهالي أساسيا إلى حد كبير في القيام بمهام الشرطة، وعلى رأسها حفظ الأمن وتنظيم حركة المرور.
وكان المواطنون في مختلف أحياء مصر أسرعوا بتشكيل هذه اللجان بعدما اختفت عناصر الشرطة بشكل مفاجئ قبل ثمانية أيام، وبالتحديد مساء الجمعة 28 يناير/كانون الأول الذي كان اليوم الرابع في عمر الاحتجاجات التي بدأها مئات الآلاف من المصريين للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك.
وأشعر الغياب المفاجئ والمريب لعناصر الشرطة السكان بالخوف على أمنهم وممتلكاتهم، خاصة مع ما رافق هذا الغياب من نشاط لعناصر إجرامية مسلحة، أو ما يطلق عليهم محليا اسم "البلطجية" الذين شرعوا في القيام باعتداءات وأعمال نهب وسلب طالت الكثير من المناطق.
وساهمت الشائعات في تغذية حالة الخوف لدى السكان، فإذا كانت الاعتداءات تمت بالعشرات فإن الشائعات جعلتها بالمئات ودفعت الكثيرين للمرابطة في منازلهم معظم الوقت.
وكان لافتا أن تشكيل هذه اللجان جاء بشكل منظم إلى حد كبير رغم السرعة التي تم بها، وسعى بعض الشباب المتعلم والموظفون في كل حي إلى الإشراف على تنظيم هذه اللجان، وجمعوا لها تمويلا ماليا عن طريق التبرعات التي حصلوا عليها من السكان، خصوصا أصحاب الشركات والمحال التجارية.
إعاشة
مراكز الشرطة تحت حماية اللجان الشعبية (الجزيرة نت)
وشكل المنظمون خلايا تتولى الإشراف على عمل هذه اللجان وتقديم الطعام لهم، حيث كان أعضاء هذه الخلايا يطوفون على مناطق تمركز اللجان ليلا لتقديم وجبة طعام، إضافة إلى المشروبات وحتى السجائر لإعانتهم على السهر في الجو البارد الذي تشهده مصر هذه الأيام.
أما أفراد اللجان فكانوا في معظمهم من الشباب الأصغر سنا الذين شعروا ربما للمرة الأولى بأنهم مسؤولون عن عمل مهم فحرصوا على تأديته بكثير من الحماس والسرور.
وحظيت الكنائس بنصيب خاص من عمل هذه اللجان، حيث حرص الشباب وهم من المسلمين على توفير الحماية للكنائس بالاشتراك مع شباب الأقباط، في مظهر أكد أن الوئام بين الأغلبية المسلمة والأقلية القبطية ما زال موجودا، رغم الأحداث التي شهدتها مصر مؤخرا، وكان أبرزها تفجير كنيسة بالإسكندرية ليلة عيد الميلاد الأخير، وقبلها بنحو عام الهجوم على كنيسة في نجع حمادي بصعيد مصر.
وحرص القائمون على حراسة هذه الكنائس على تأكيد أن لا شيء تغير على صعيد العلاقة الجيدة بين المسلمين والأقباط، وحملوا على الإعلام واتهموه بتضخيم هذه الأمور، كما لام بعضهم سياسة النظام، وقالوا إنها ربما حرصت على إذكاء هذه الفتن في بعض الأحيان لشغل الناس بها عن قضايا الإصلاح والديمقراطية.
حماية
والمثير أن مراكز الشرطة خصوصا في بعض المناطق الريفية حظيت بحماية هؤلاء الشباب المتطوع، بعدما كان العديد منها تضرر خلال مظاهرات الغضب، وحتى عندما بدأت بعض هذه المراكز في العودة الخجولة ظل الكثير منها تحت حماية شباب اللجان الشعبية، وأصبح مألوفا أن ترى شبابا يحملون العصي أمام هذه المراكز لحمايتها ليلا بعد أن كانوا يخشون مجرد المرور أمامها.
ومع ذلك فلم تخل التجربة من سلبيات خصوصا في الأحياء الشعبية بالقاهرة، فإذا كان أعضاء هذه اللجان في الريف حملوا العصي والهري، فإن أعضاءها في كثير من أحياء القاهرة حملوا أسلحة بيضاء وقضبانا حديدية مما أثار الذعر في نفوس كثيرين، خصوصا إذا كانوا من الوافدين على هذه الأحياء.
ومع دخول الاحتجاجات يومها الثاني عشر وتحولها إلى ثورة شعبية حققت الكثير من أهدافها وما زالت تسعى لتحقيق المزيد بإسقاط رأس النظام، فإن اللجان الشعبية ما زالت تقوم بدورها، ويعتقد الكثيرون أنها ربما تستمر لفترة ليست بالقصيرة، خاصة أن الشرطة المصرية حسب ما يقوله المسؤولون أنفسهم ربما تحتاج لأشهر عديدة قبل أن تستعيد عافيتها وقدرتها على أداء مهامها.
المصدر: الجزيرة
المفضلات