بقلم سليمان جودة ٢٨/ ١/ ٢٠١١
بالصدفة البحتة، كان وفد من صندوق النقد الدولى قد غادر القاهرة، قبل مظاهرات ٢٥ يناير، بساعات، وكان من بين أعضائه الدكتور عبدالشكور شعلان، وكان قد جاء ليطلب من الحكومة إصلاح اقتصاد البلد من أكثر من خلل!
ولم تذكر الصحف تفاصيل ما دار بين الوفد والحكومة، ولا قالت ما الذى طالب به وفد الصندوق، على وجه التحديد، غير أن المتابع للأمور يمكن أن يخمن طبيعة الذى دار، ويمكن أن يتوقع أن يكون وفد الصندوق قد تكلم فى مسألة الدعم، على وجه الدقة، ويمكن أن يكون قد نبه الحكومة إلى أن استمراره على الصورة الحالية، معناه أن يظل الاقتصاد المصرى مختلاً، وأن يزيد اختلاله مع الوقت، وأن تسوء الخدمات العامة التى تقدمها الحكومة للناس أكثر وأكثر!.. وأن يدفع الفقراء الثمن!
وبطبيعة الحال، فإن كثيرين ممن سوف يطالعون هذه السطور، سوف يقولون فى نفس واحد: ولكن هذا ليس وقته.. وسوف نرد ونقول: بل هو وقته بامتياز، بشرط أن تكون الحكومة قوية، وأن تصارح الناس، وأن تقول لهم إنهم إذا كانوا قد خرجوا يوم ٢٥ يناير، يطالبون بأسعار سلع أقل، وفرص عمل أكثر، وخدمات عامة أفضل، فإن عدم توافر ذلك كله، راجع فى الأصل، إلى أن هناك ٥٠ مليار جنيه - على سبيل المثال - تنفقها الحكومة على دعم الطاقة، للقادرين ويمكن لنا، بالتالى، أن نتخيل حال خدمة عامة، مثل الصحة، لو أن هذه الخمسين ملياراً، قد أضيفت إلى ميزانية وزارة الصحة، ولم تتبدد كاملاً، على أصحاب سيارات أغنياء، يجب أن يشتروا لتر الطاقة، أياً كان نوعه، بسعره الحقيقى، وألا تدعمه الحكومة لهم، وأن توجه فارق السعر، عندئذ، إلى الصحة، وإلى التعليم، وإلى فرص العمل، وإلى أسعار السلع الأساسية لمحدودى الدخل!
ما جرى يوم ٢٥ يناير، لا يحتمل أى مماحكات من جانب الحكومة، فى هذا الملف، ولا يحتمل أن تظل تنافق الناس، وتخفى عنهم الحقيقة، ولا يحتمل أن ننتظر، وإنما يتطلب حركة مختلفة تماماً، عما كانت عليه من قبل، على مستويين.
مستوى سياسى، يبادر إلى أن يكون فى البلد برلمان حقيقى، يتشكل بنظام القائمة النسبية غير المشروطة، بما يجعل فيه للمرأة، وللشباب، وللأقباط، مكاناً طبيعياً، فلا نستبعد أحداً، لا نقصى أحداً، ونجد أنفسنا، بالتالى، أمام برلمان قادر فعلاً على مراقبة أداء الحكومة، وتشريع القوانين الصالحة للناس.
ومستوى اقتصادى يدرك أنه ليست هناك خدمة عامة نقدمها للناس مجاناً، وإنما هى فى حاجة إلى إنفاق عام، وهذا الإنفاق فى حاجة إلى ترتيب أولويات، وتوجيه المال العام إلى حيث يجب أن يتوجه، خصوصاً الصحة والتعليم.
طبعاً، نتوقع ألا تجرؤ الحكومة على الاقتراب من هذا الملف الآن، ولكننا نتكلم عن حكومة تتطلع إلى المستقبل، وليس تحت قدميها.. نتكلم عن حكومة لا تفكر فى أن تشترى الوقت، وإنما تشترى الإصلاح، فأيهما سوف تشتريه حكومتنا؟!
المفضلات